انتابتنى حالة غريبة من المَنطَقة الذهنية (من المنطقى)، عندما قرأت عن قيام سائق بشركة المقاولون العرب بإطلاق النيران عشوائياً على زملائه فى الشركة أثناء ركوبهم السيارة خلال الدورة التى تجمعهم به يوميا.. وهو ما أدى إلى موت 8 وخلف عددا من الحالات فى المستشفى.
لا أعلم سبب المَنطَقة التى أصابتنى تجاه هذا الحادث الأليم جدا.. ربما لأننى أصبحت عديم الإحساس وجبله.. يمكن.. ولكن هذا لم يمنعنى من التفكير، وبصرف النظر عن الأسباب المباشرة والمعلنة لهذا الحادث وللحوادث التى سبقته حيث قتلت أم ابنها وذبح ابن أبوه وحرق أب أبناءه خشية إملاق أو من إملاق.
والإنسان عامة مدرب على مواجهة الفقر والتعامل معه بحكم كافة العقائد والديانات المختلفة، التى يعتقد بها وفيها كل فرد على وجه البسيطة، والتى ركزت بدقة على تدريب البشرعلى التعامل مع الفقر وعدم الضجر منه والصبرعليه! ولكن الجديد هو حالة اللامنطق التى يصطدم بها المواطن المصرى عندما يقدم كل ما تطلبه منه القيم والأديان والمبادئ فلا يجد سوى نتائج معاكسة لما وُعد به، فيصاب بهرش فى النافوخ.
فى حالة ما يفقد الإنسان الأمل فى وضع منطقى يستقر عليه فى هذه الحياة ألا يمكن أن يؤدى به هذا إلى تصرف عشوائى خطير؟.
عندما يجتهد مواطن ويعمل 20 ساعة من 24 ساعة يومياً ثم لا يجد من جَده سوى الفقر والحاجة وعدم القدرة حتى على توفير الحد الأدنى لأبنائه، ألا يفكر فى تصرف يتناسب مع ما يحدث له من عبث؟.
عندما يعيش محتاج وجائع وعريان وسط ملايين الجنيهات تتطاير من حوله وأشخاص متخومون من المتعة وسط مشاهد المال والنساء وليالى ألف ليلة ألا يحق له ولو قدر من الحقد؟.
عندما يجد شريف أو مؤمن أو مخلص مقابل خصاله هذه الجوع والحاجة والمرض والعزلة.. ألا يفقده هذا جزءا من عقله؟!.
عندما صرخ أبو ذر الغفارى قائلاً: "عجبت لمن لا يجد قوت يومه ولم يخرج شاهراً سيفه"، كان يتحدث عن فوارق بسيطة.. فوارق بين من يمتلك ثوبا ومن يمتلك ثوبين.. وأقصاها عن من لا يجد قوت يوم.. ماذا لوعاش بينا أبو ذر الآن وشهد ما يحدث.. كيف ستكون مقولته؟!
منذ وقت قريب، كتب شاعرنا البائس نجيب سرور محتجا قبل أن يموت محتجاً "وإذا أصبح عذاب الموتى سلعة أو أحجبة أو أيقونة.. فعلى العصر اللعنة والطوفان قريب" فما بالكم وقد اتسعت التجارة لتشمل عذاب الأحياء وآلامهم ومعاناتهم؟.
عندما لا يجد مظلوم أو محروم من لا يعبر عنه بصدق، سواء فريق أو حزب أو نادى أو صحيفة أو.. أو.. ويشاهد آلامه وقد تحولت إلى موضوعات ومشاهد تدر على مستخدميها الملايين من الجنيهات.. ألا يفقده هذا ولو فصا من فصوص مخه البائس؟!.
عندما يقف أب أمام مرض أحد أبنائه عديم الحيلة والوسيلة لضيق ذات يده الكادحة.. ألا يدفعه هذا إلى إطلاق الرصاص ربما على نفسه أوعلى أبنائه أوعلى آخرين؟!.
أطلق سائق المقاولون الرصاص دون توجيه بعد أن فقد القدرة على التحديد والتفسير، فأصاب وقتل زملاء له يعانون مما يعانيه وربما أكثر.. وقتلت الأم المطلقة الجائعة ابنها ليس لأنه "شقى" كما قالت الصحف، ولكن يأساً من المستقبل وغماً من الحاضر.. وولع الأب فى عياله ليلة العيد لأنه لم يستطع أن يوفر لهم لحظة سعاد فى ليلة مفترجة.
كلها وغيرها أحداث تستكمل بقية اللوحة العبثية التى نعيش داخلها، حيث يقتل الفقراء والمحرومون والمتألمون بعضهم ويعيش الجباة والناهبون والسارقون فى آمان بعيداً عن مرمى الرصاص.
أصدقائى فى المعاناة.. إذا فاض بكم الكيل وقررتم ما قرره سائق المقاولون، وأم الطفل المسكين، وأب الأبناء المحروقين.. فأناشدكم أن تتوقفوا لحظة وتسألوا أنفسكم على من نطلق الرصاص؟؟؟.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة