يمتلك الدكتور محمود حمدى زقزوق وزير الأوقاف نوعاً غريباً من الإصرار الذى يجعله يكرر كثيراً هجومه على السلفيين الذين يتشددون فى المظاهر الدينية مثل اللحية والنقاب والجلباب، "كان آخرها فى لقائه بالشباب فى معهد إعداد القادة" لكنه بنفس القدر يفتقد إلى ملكة الإقناع التى تجعله فى غنى عن تكرار هذا الهجوم، وقد عرف السلفيون أن الرجل يقصدهم بالذات فدافعوا عن أنفسهم بذكاء كشف ضعف إمكانيات الوزير فى الإقناع.
نقاط الضعف التى استغلها السلفيون ضد الوزير ربما ليست عيوب فيه، ولكن الله خلقه هكذا "حليقاً بلا لحية" ووضعه فى هذه المكانة "وزيراً بلا أسلحة"، ولمجرد أنه وزير فهو يعمل لدى الحكومة، والناس تكره الحكومة بدافع أنها سبب كل هذا الشقاء الذى يعيشون فيه، كما أن الحكومة "علمانية" والناس تبغض "العلمانيين" لأنهم فى نظرهم "أعداء الدين"، ولأن الناس لم يتبق لهم سوى الدين ليدافعوا عنه، فهم يحرمون على بيوتهم ما يحتاجه المسجد، ولأن الوزير هو المسئول عن تدهور أحوال المساجد فهو بالتأكيد موظف حكومى يعادى الدين.
تلك الدائرة التى أسقط فيها الناس الدكتور زقزوق ليست من عندى، ولكنها واقع فرضه السلفيون عليه لدى الناس، فهم يضربونه حيث لا يستطيع أن ينكر، مستغلين أن طابع منصبه تنفيذى وليس روحياً كما شيخ الأزهر، فلا هو موظف كامل ولا هو شيخ معمم، حتى عندما قال إنه سيرتدى الزى الأزهرى لو تولى منصب الإمام الأكبر لم يكن مقنعا، بل أُتهم أنه يتلون حسب المنصب، وبالتالى لما اكتسب عداوة السلفيين فرضوا عليه صورة الموظف "عبد المأمور" وليس صورة المفكر الذى يجتهد وقد يصيب أو يخطىء.
وفى حربه مع التشدد فى اللحية والجلباب والنقاب، يمتلك الوزير الحجة ولكنه لا يمتلك المنطق، كما أن ظهره ليس محمياً من خناجر الاتهام بالتبعية وهدم الدين، لأنه لا يعلم أن حربه هذه مع بضع مئات من السلفيين يساندهم من خلفهم آلاف وربما ملايين من المتعاطفين "سلفيو الهوى" أو الساخطين "يكرهون الحكومة فبالتالى هم مع كل من يهاجمها"، وفى كلا الحالتين لا يستطيع أسلوبه الهادئ مواجهة هذا الفكر لأنهم فى النهاية أعلى صوتا وأكثر دهاء منه، فعليه إذن أن يعيد التفكير فى أسلوب الهجوم عليهم وأن يدرس أساليبهم جيدا حتى يواجههم بما يلزم، فإن لم يكن فلا سبيل أمامه سوى أن يرتدى جلباباً قصيراً ويطلق لحيته، عندها سيحرج السلفيين ويضع مؤيديهم فى مأزق لا يحسدون عليه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة