نعم هو كذلك، فقد قرر مجلس الدولة إلغاء تعيين المرأة قاضية، وهى خطوة أكثر وضوحا من سابقتها التى كانت تعتمد على الإرجاء إلى أجل غير مسمى، أى كان القرار مراوغا وغامضا، ولكن الآن اتضحت الرؤية وحسم قضاة مجلس الدولة، كونهم مصرين على إعلان مخالفتهم للدستور والمواثيق الدولية التى وقعت عليها الدولة المصرية، وأصبحت بالضرورة جزءً من القانون المصرى، والطبيعى والبديهى أن أى قاضى دوره هو تنفيذ القانون، وليس من حقه تشريع قانون، فهذا دور السلطة التشريعية.
فلماذا ليس من حق القضاة التشريع؟
ليس تقليلا من مقامهم، لكن لأنه فى هذه الحالة لن يكون لدينا قانون واحد نحتكم إليه جميعا، ولكن لدينا قوانبن بعدد القضاة فى بلدنا، وكل منهم يحكم على هواه وطبقا لثقافته، وهذا ينفى جوهر العدل، بل وجوهر الدولة المدنية التى تقوم على أن كل المواطنين يخضعون لذات القوانين، بغض النظر عن اللون والجنس والعقيدة.
والمشكلة الثانية هى أنه ليس من حق أى جمعية عمومية حتى لو كانت من القضاة أن تتخذ قرارات مخالفة للقانون والدستور ولا المواثيق الدولية التى وقعت عليها البلد، وفى هذه الحالة تتحول بلدنا إلى كانتونات، كل جمعية عمومية تشرع "على مزاجها" ما تشاء من قوانين، وتغتصب دورا ليس لها وهو التشريع، وهو طبقا للدستور من سلطات البرلمان.
والحيثيات التى قالها قضاة مجلس الدولة فى الحقيقة تقديرية من نوع وجود ظروف اجتماعية معوقة لعمل المرأة بالقضاء وأهمها النقاب الذى يحول دون تواصل المتقاضين مع القاضيات، أو استناد بعضهم على ما قاله السنهورى باشا ثانى رؤساء مجلس الدولة منذ عام 1952 عن عدم ملاءمة ثقافة المجتمع لتعيين المرأة فى القضاء.
فهذه فى النهاية ومع كامل الاحترام لها آراء شخصية تنطلق من ثقافة يمكننا الاختلاف والاتفاق معها، ولكنها لا يجب أن تنتهك الدستور بكل هذه الغلظة، والذى يقر بالمساواة المطلقة فى تولى الوظائف، فالقانون ليس فيه أعمال يتولاها الرجال وأخرى تتولاها النساء، أى نستبدل معايير الكفاءة مثل أى مجتمع يريد التقدم والرقى، بمعايير مبنية على ثقافة متخلفة وتفسيرات دينية أكثر تخلفا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة