كنت أنتظر دورى فى صيدلية وخرق أذنى وذهنى حديث قصير بين سيدة وصاحب الصيدلية أو ربما بائع بها. السيدة: «فيه روج (أحمر شفاه) أسود بس رخيص؟» البائع وهو يبحث فى أدوات التجميل: - «إسود... آه.. والله هو كان فيه بس خِلِص. بس فيه نبيتى غامق أوى» التفتْ وكان نفسى جداً أسأل السيدة لماذا أسود، وأسأل البائع هوَ فيه إسود أصلاً؟ وكمان خِلِص يعنى فيه ستات كثير بتشترى أحمر شفاه إسود؟ ليه؟ وأنا مازلت مترددة..
أسأل واللا أخلينى فى حالى، استطرد البائع: «ده أنا كمان دُخت على الإسود!» (فى عقلى: للدرجة دى موضة وأنا مش دريانة؟!) «أصل بنتى عندها حفلة وآل صاحبة الحفلة عاملاها بيت رعب فلازم كلهم يلبسوا إسود ومُرعب» السيدة فى ابتسامة ودهشة: «الله! هى بنتك عندها كام سنة؟ عَشرة؟ دى الظاهر رايحة نفس الحفلة اللى بنتى رايحاها بُكرة!» البائع: «عندها عشرة برده، بس حفلتها النهاردة مش بُكرة! (فى عقلى: يعنى فيه فى مصر حفلتين رعب لأطفال عندهم عشر سنين؟! ده مبدئياً طبعاً لأن أكيد فيه ناس تانية لا أعرفهم بيسألوا لأولادهم على روج إسود فى أماكن أخرى!) لأنهى الحديث سريعاً تدَخلت أخيراً لأتمنى لهما أن يجدا الروج الأسود على خير إن شاء الله بعد أن شعرت أن الدواء الذى سأشتريه أقل أهمية بكثير من الروج الأسود. سألت الرجل عن مدرسة ابنته فذكر اسم مدرسة خاصة صغيرة (لا أتذكر اسمها) تُدرّس منهج الوزارة المصرى طبعاً.
رأيت فى ذلك دلالة على أن هذا النوع من الحفلات ينتشر أيضاً فى دوائر أطفال غير الذين يدرسون مناهج غربية فى المدارس الدولية ويكون بالتالى تأثرهم بالثقافات الأخرى أسهل وأسرع وأقوى. سألت ابنتى فأمطرتنى بأسماء الشخصيات «الكول» المرعبة وقالت: «بس انا مابحبهمش أوى. (تنهدْت، الحمدلله) بس عايزة روج إسود علشان عندى حفلة الأسبوع اللى جاى. دى واحدة صاحبتى أوى لازم أروح!!» تذكرت الحفلات التنكرية «العبيطة» التى كنا نفرح بها ونحن أطفال ونعذب أهلنا علشان نلبس تاج الأميرة النائمة أو فستان سندريلا، ويابخته المفترى اللى كان يلبس كينج كونج، أصحابه يحكوا عنه شهرين.
تذكرت انبهار مُدرسة فى إعدادى بأفكارنا فى موضوع تعبير عن السلام، مَن اقترح أن تُسحب من الأسواق أى لعبة على شكل سلاح، ومَن اقترح نظام مراقبة يضمن ألا يدخل أى طفل فصله إلا إذا كان مبتسماً الخ (طبعاً لا أجرؤ أن أذكر مثل هذه الأفكار «البلهاء» أمام ابنتى تفادياً لنظرات الشفقة).
تذكرت عندما كانت، منذ بضعة شهور تتحدث بانبهار عن مصاص الدماء إدوارد فى فيلم «توايلايت» وكم هو رائع شكلاً طيب قلباً ورومانسى فى حبه لإيزابيلا الفتاة الطبيعية! تأكدت من د. هبة عيسوى/ أستاذ الطب النفسى أن انبهار الطفل أو المراهق وتقمصه لمثل هذه الشخصيات الخرافية له عدة مساوئ: أولاً أنه ينفصل عن مجتمعه ويعيش فى عالم غير واقعى، فلا عجب فى أن يتهرب دائماً أولادنا منا ومن حياتنا لأنهم يريدون الانغماس فى هذا العالم الخيالى. ثانياً، أن خيالهم فى هذا العالم لا ينطلق فى رحاب القيم الأخلاقية والأفكار الإيجابية، بل فى رحاب مص الدماء واختلاط الصالح بالطالح. ثالثاً أن مثل هذا الانفصال عن المجتمع يؤدى إلى تكوين شخصية اعتمادية لدى الطفل ذات استعداد أكبر لتكوين شخصية إدمانية. لا أقرع طبول الحرب لأن منع الأفلام و«الشات» chat على النت مستحيل، ولكننى أنبه فقط: بلاش لخبطة! كيف يكون مصاص الدماء جميلا؟ وكيف يكون الروج (والكلمة فرنسية تعنى الأحمر) أسود؟
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة