انزعج بعض الحضور فى المؤتمر "الإعلام والمواطنة" الذى عقدته جماعة "مصريون ضد التمييز الدينى" منذ عدة أسابيع، من تأكيدى فى الورقة التى قدمتها على أن الصحافة ليس دورها التحريض، سواء أكان ضد السلطة الحاكمة أو معها.
وأنه لا يجوز للصحفى أن يخلط الرأى بالخبر وليس من حقه ممارسة أى نوع من التحريف له، وإذا حدث فهو يقدم للقارئ "بضاعة" غير مطابقة للمواصفات، ولابد من وجود جهة تحاسبه على ذلك، والمفترض أن تكون هى نقابة الصحفيين طبعاً.
سبب الانزعاج أن هناك تصورا عجيبا ساد لسنوات طويلة يعتبر أن دور الصحافة (مسموعة – مطبوعة – إلكترونية – مرئية) والإعلان عن موقف سياسى، سواء أكان مؤيدا أو معارضا. وهذه خطيئة كبرى، جعلت هذه المهنة النبيلة تنحرف عن دورها الذى وجدت من أجله وتلعب أدوارا ليس لها، وجعلت الكثير من الزملاء ينتقلون من خانة الصحافة إلى خانة السياسة وأصبحوا زعماء.. ولذلك فسدت الصحافة والسياسة معا.
فالصحافة دورها إخبار المجتمع بما يحدث ثم تتخذ مختلف فئاته ما تشاء من مواقف، أى أن الصحافة تمكن هذا المجتمع من ممارسة دوره الرقابى على كل مؤسسات الدولة (حكومة – أحزاب – شركات – جمعيات .. إلخ )، وهذا لا يعنى بالطبع ألا يكون هناك رأى، ولكن لا يجب أن يكون مختلطا بالأخبار، وليس من حق القائمين على أى صحيفة أن يغيروا أو يزوروا أو يتجاهلوا أخبار مهمة لأنها لا تتفق مع موقفهم السياسى، فهذا إفساد لحق المجتمع فى المعرفة، وهو بالمناسبة حق من حقوق الإنسان تنص عليه المواثيق الدولية.
هذا المزاج الفاسد هو السبب فى مهاجمة جريدة المصرى اليوم من قبل بعض النشطاء الحقوقيين فى تغطيتها لمقتل الشاب خالد سعيد فى الإسكندرية. وبسبب هذا الفهم العجيب هاجمت جماعة الإخوان بشراسة موقع اليوم السابع، لأنه نشر وجهة نظر وزارة الداخلية فى إحدى الوقائع أثناء انتخابات الشورى.
فكل طرف يريد من الصحفيين أن يتحولوا إلى مندوبى إعلانات لنشر موقفه السياسى وحده.. وهذا بالضبط هو مقتل هذه المهنة النبيلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة