المواطنون، فى مصر، نوعان.. أقلية فاعلة.. وأغلبية مفعول بها، وأعضاء النوع الأخير يحملون جميعاً اسماً واحداً.. "المواطن مصرى".
المواطن مصرى سيماه فى وجهه كما تعلمنا من فلكلور جدودنا الحكماء.. طيب.. كريم.. جدع.. شهم. ولأن الحياة فى مصر فى صيرورة ما، فقد اكتسب صفة جديدة اختزلت كل الصفات السابقة داخلها.. هى "مواطن مضطر".
المواطن مصرى مضطر فى كل تفاصيل حياته.. يتخرج فى كلية الآداب أو الهندسة أو الطب، ومضطراً يعمل محاسباً فى مخبز، أو سايساً فى جراج.
المواطن مصرى يحب مواطنة مصرية، ومضطراً يتزوج بأخرى لاعتبارات اقتصادية خاصة بأى من الأطراف الثلاثة.
المواطن مصرى يرسل أبناءه للتعليم.. ومضطراً يستدين من أجل توفير قيمة دروس خصوصية لمدرس دوره الأساسى تدريب الطالب على مهارات الحصول على درجات مرتفعة فى اختبارات عملية تعليمية فاشلة، ثم يتحول مضطراً إلى معارض "أشوس" للامتحانات الصعبة، بصرف النظر عن عدم وجود عملية تعليمية من الأساس، وبصرف النظر عن قدرات أبنائه العلمية والثقافية.
المواطن مصرى يحمل كرامته الحرفية والمهنية والمهاراتية على أنفه متفاخراً بها فى حدود جغرافية لا يتجاوز أقصاها المقهى وسط زملاء أكثر قهراً.. ومضطراً يتنازل عنها أمام سخافة أو غباء أو نطاعة أو عقد رئيس أقل اضطرراً للحفاظ على بضعة جنيهات يُحصلها كل أول شهر، تغنيه أسبوعاً عن الاستدانة وتقلص مدة ضيق ذات يده من أربعة أسابيع إلى ثلاثة.
المواطن مصرى مضطراً يبيع جهده فى سوق العمل بعشر قيمته، ومضطراً أيضاً على تقديم أضعاف جهده مجاناً فوق البيعة للحفاظ على العمل.
المواطن مصرى صاحب ثقافة رفيعة وخبرة عتيقة فى نظافة المأكولات وصحتها، ومضطراً يلتهم مبيدات مسرطنة ومأكولات ملوثة مدفوعة بمقولة "موت بطىء بالسم خير من موت سريع بالجوع".
المواطن مصرى والمواطنة مصرية يتزوجان ليكتشفا اختلاف طباعهما، أو استحالة الحياة بين كل منهما، فيعصران على نفسيهما طن ليمون ويستمران فى الحياة، وينجبان مواطنين مصريين يرثون كل هذه الآلام، والسبب أن تكلفة الانفصال والحرية فى مصر أكثر من تكلفة الارتباط.
المواطن مصرى يقف بين يدى الله خاشعاً عابداً مصلياً باكياً داعياً بالستر وحسن الختام والاغتناء عن الرذائل، ومضطراً يقدم الرشوة لمرتشٍ مضطر للرشوة.
المواطن المصرى رومانسى.. حالم.. شاعر.. أديب فقط فى حدود العادة الذهنية التى تهرب به لحظات عن حياته المضطرة.
المواطن مصرى.. محروم من كل مقومات ممارسة حياته الطبيعية نفسياً وبيولوجياً.. ومضطراً يفعل ذلك على طريقة "العيان والميت" فلا العيان قادر ولا الميت حاسس بحاجة. المواطن مصرى مضطر إلى الثورة.. فهل يا ترى سيثور.. متى وعلى من؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة