كانت المرة الأخيرة التى رأيت فيها الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة منذ حوالى عام تقريبا، التقينا فى حجرة الضيوف فى التليفزيون المصرى، وتحادثنا طويلا أنا وهو وصديقى أكرم القصاص، وتواعدنا على لقاء قريب، لكنه مثل معظم المواعيد مع الأحبة لا تتم بسبب ضيق الوقت واللهاث وراء أكل العيش.
تعرفت على الكاتب الكبير رحمه الله منذ حوالى 20 عاما، وكان من حسن حظى أننى استمتعت بصحبته لساعات طويلة، رغم أنها مرات قليلة، فهو لم يكن فقط كاتبا دراميا عظيما، ولكنه كان مفكرا بكل معنى الكلمة، وأقصد بهذا التعبير قدرته على إنتاج الأفكار، وفى معظمها جديدة ومبتكرة، ناتجة عن روح قلقة، متمردة، شأن كل المبدعين الكبار الذين لا يعيدون إنتاج الملقى على الأرصفة، لكنه دائم البحث عن إجابات لأسئلة وجودية، هذه الأسئلة التى تواجه الإنسان منذ بداية الخليقة، وفى الأغلب الأعم، الأسئلة تنتج أسئلة لا نهائية.
لذلك لم تكن قيمة الكاتب الكبير فقط فى البعد السياسى فى أعماله، الموقف من كل المراحل التى مرت بها مصر، ورغم أنه قدم رؤية عميقة ومثيرة للجدل قبل وبعد يوليو 1952، مرورا بفترة الرئيس السادات ومن بعده مبارك، لكنه فى كل هذا يبحث عما هو أعمق، أسئلة وجود مصر، وأسئلة الوجود الإنسانى.
وأظن أن هذا بالضبط ما منح أعماله كل هذه الحميمة والعمق، وما جعل المختلفين معه فى السياسة يعجزون عن عداوته، فكتابته فيها ما هو أبعد من ذلك بكثير، فيها ما يجمع كل البشر على اختلافهم، فيها الوهج المقدس للحياة.
رحم الله الكاتب العظيم، وجمعنا وإياه مع الأحبة فى دار الحق...
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة