قضيت أيام الأسبوع الماضى مكتفياً بدور القارئ للصحف بجميع أشكالها وألوانها وأسمائها.. فوجئت بحجم الفساد والأخطاء والخطايا فى الصحف الخاصة والحزبية.. وحجم الإنجازات والنجاحات فى الصحف القومية والرسمية.. ولم يكن ذلك اكتشافاً مهماً على الإطلاق ولا جديدا أيضاً.. لكننى أصبحت أكثر استسلاماً للإحباط وأننا فى بلد لا شىء فيه يتغير أبداً..
لا الفساد تنصلح أحواله ولا الصحافة تنجح فى القضاء عليه ولا الإدارة تستجيب مرة واحدة، ولا تعتذر الصحافة الخاصة مرة واحدة لأنها أخطأت وبالغت وتجاوزت، ولا الصحافة الرسمية تعتذر مرة واحدة لأنها كذبت ونافقت ولم تقل الحقيقة أحياناً أو غالباً.. ولهذا شعرت بالضيق من ذلك كله وبأنه لم يعد هناك مكان أو مجال لأى أمل أو إصلاح.. ولا مكان أو مجال أيضاً لأى جد.. فلم يبق إلا أن نضحك.. من الضرورى أن نضحك.. ليس ضحكاً كالبكاء كما قال شيخنا المتنبى.. وإنما نضحك حتى لا نموت غيظاً وغضباً وإحباطاً وهموماً وحمولاً ثقيلة قصمت ظهور الجميع. قالت الصحف الرسمية إن الرئيس مبارك فى زيارة هامة لإيطاليا لبحث عديد من الملفات والقضايا المصرية العاجلة وعلى رأسها ملف أزمة دول حوض وادى النيل..
وقالت الصحف الخاصة إن أول وأهم صفحة فى ملف أزمة مياة النيل هو سد تانا بليز الضخم الذى تقوم إثيوبيا الآن ببنائه رغم أنف مصر واتفاقيات حوض النيل.. هو سد تقوم الحكومة الإيطالية نفسها بتمويل بنائه.. وتحدثت الصحافة الرسمية أيضا عن جامعة إيطالية جديدة فى مدينة العبور دون أن تشرح لماذا هذه الجامعة ورؤيتها وضرورتها.. وقريباً جداً سنجد جامعات أخرى تحمل أسماء بلدان عديدة لنرفع كلنا يوما ما شعار «من كل بلد جامعة وفى كل بيت خريج جامعة لا يجد وظيفة». وفقاً للأرقام الرسمية الخاصة بميزانية سنة جديدة فى مصر.. تبين أن كل مصرى ينتج فى السنة بما يعادل 15 ألف جنيه.. وهو رقم مفترض أننا نعيش به طيلة السنة.. والمشكلة ليست فيمن يعيشون بأضعاف هذا المبلغ.. وإنما هى ملايين المصريين الذين لا ينالون هذا الحق وبالتالى يصبح من حق هؤلاء إقامة دعاوى قضائية لمطالبة الحكومة بباقى مستحقات كل منهم وأصبحت أتخيل هؤلاء التعساء والمظلومين فى المحاكم وكل منهم يصرخ يريد نصيبه من الميزانية.. يريد الـ15 ألف جنيه.
الدكتور أسامة عقيل.. أستاذ الهندسة بعين شمس.. وضع دراسة علمية دقيقة ومزعجة أكد فيها أن القاهرة بعد خمس سنوات ستصبح مدينة مشلولة مروريا لا شىء فيها يتحرك.. ووزارة النقل أعدت دراسة أكدت أن زحام القاهرة يكلف الاقتصاد المصرى مليارى جنيه سنوياً.. ورغم ذلك لا تزال الدولة كلها تتسابق على إقامة مشروعات سكنية وسياحية وتجارية جديدة فى القاهرة.. لا أحد منهم انتبه إلى أن هذه المشروعات فى ماسبيرو وأرض المعارض وإمبابة وكل الكبارى والأنفاق ليست إلا إهداراً للمال العام وسوء تخطيط وعجزا فاضحا فى مواجهة أى أزمة. بعد كل هذا الذى قالوه عن فساد وخطايا العلاج على نفقة الدولة.. نواب البرلمان وكبار المسئولين الذين حصلوا على الملايين لعلاج أقاربهم فى رحلات ترفيهية أو لعلاج من ماتوا بالفعل..
وصخب وضجيج وتحقيقات صحفية وتليفزيونية لا أول لها ولا آخر.. كنت أتخيل قائمة بمتهمين يخضعون للتحقيق والمحاكمة أو قرار من الحزب الوطنى باستبعاد هؤلاء النواب من الترشيح مستقبلا على قوائم الحزب.. ولكننى فوجئت بدلا من ذلك كله بمجلس الشعب والحكومة والمسئولين والنواب الكبار والصغار يصرخون فى وقت واحد معلنين نهاية أزمة العلاج على نفقة الدولة.. فقد تم رفع أسعار السجائر فى الأسواق المصرية ولم أكن أبداً أتخيل أن سعر علبة السجائر هو أساس المشكلة. أزمة مصطفى بكرى بعد ضياع دائرته الانتخابية نتيجة المحافظات الوهمية الجديدة وعشوائية دوائر الانتخاب.. وقطع الطريق الدائرى نتيجة غضب أهالى جزيرة محمد وطناش بسبب إعادة ترسيم الحدود بين تلك المحافظات.. وحكايات أخرى كلها دلائل واضحة على أننا نتخذ القرار أولاً ثم ندرسه فيما بعد حسب الظروف والمشاكل والأزمات..
وإلا ألم يكن الأصح أن يتم توزيع الدوائر ودراسة الحدود وفصلها حسب ظروف الواقع قبل التسرع فى إعلان محافظات جديدة دون أى دراسة على الإطلاق. فجأة قالوا إن مشروع تطوير الثانوية العامة هو الرهان على التعليم المصرى والمستقبل.. وأغلقت الحكومة آذانها عن كل صرخات الرفض والغضب من هذا التطوير الذى سيغتال التعليم المصرى من الأساس.. وفجأة قرروا تأجيل المشروع دون أن يشرحوا لنا السبب ودون حتى اعتذار عن كل ما قالوه سابقاً عن ضرورة المشروع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة