سمعت كثيرا عن ارتفاع أسعار الدواء، وأجر الأطباء، والإهمال فى المستشفيات الحكومية، بل تناولت هذا الأمر فى مقالتى، ككاتب صحفى يتابع الأحداث، لكن هناك طعم آخر للكتابة فى هذا الملف بعد أن دخلت هذه الدائرة بنفسى، بعد تعرضى للأصابة فى قدمى، ومحاولة إسعافى عن طريق مستشفيات "الذهاب للآخرة" الحكومية سابقا.
فقد ساقنى حظى التعس لأحد هذه المستشفيات بمحافظتى ببنى سويف، التى لا يوجد بها إلا الأشباح خاصة إذا قدمت لها مع دخول الليل، فإمكانيات الاستقبال بها عبارة ممرضة كل مهمتها محاولة إيقاظ الطبيب إن وجد، ولكن للأمانة عندما تعرفوا على وجدت اهتماما كبيرا صحبه كم من الاعتذارات بسبب نقص الإمكانيات فى المواد الطبية وقد بادرنى طبيب بنصيحة، وهى الذهاب لمستشفى خاص حتى أجد العناية الكافية، وبالفعل أخذت بالنصيحة فورا.
لكن أثناء وجودى بهذه المستشفى وجدت قصصا لها العجب أهديها لوزير الصحة، صاحب مستشفى دار الفؤاد ذات الخدمة الخمس نجوم، فبطل أول قصة موظف بسيط أصيب بلدغة ثعبان، وتوجه للإسعاف المركزى لإنقاذه ولكن للآسف لم يجد به المصل وتم تحويله للوحدة الصحية بقرية طنسا بنى مالو التابعة لمركز ببا وأيضا لم يجد بغيته، ثم تم تحويله لمستشفى ببا العام ولم يجد أيضا المصل وتم تحويله لمستشفى بنى سويف العام وهو فى حالة إعياء تام ويصارع الموت، ولا أدرى كيف لا يوجد مصل ثعبان أو عقرب فى الوحدات القروية، ومراكز الإسعاف والمستشفيات المركزية؟!
أما بطل القصة الثانية فلاح بسيط أصيب بالزائدة الدودية فى منتصف الليل، وبالطبع استغاث ذويه بالمستشفى الحكومى، خاصة أنهم أُناس بسطاء لا يملكون إلا قوت اليوم، لكن وجدوا أنفسهم أمام قائمة طويلة من الأدوية التى أكد الأطباء أنهم فى أمس الحاجة لها لإتمام العملية ولا تتوفر بالمستشفى، ووقف أهل المريض بين مُرين أولهما آلام ابنهم وثانيهما العجز عن توفير هذه القائمة، ولولا تدخل أهل الخير لمات الرجل واغتاله الفقر ووزارة الصحة!.
أما بطل القصة الثالثة فهو شاب لم يتعدى الـ 19 عاما، يعمل تاجرا فى إكسسوارات المحمول، وأصيب فى حادث "موتوسيكل" أدى إلى إصابة قدمه بشكل بالغ، ولجأ بالطبع للوحدة الصحية التابع لها والتى قامت بتحويله للمستشفى العام ببنى سويف، وبالطبع تعرض للنزيف أثناء رحلة العذاب بين الوحدات الصحية والمستشفيات مع العلم بأن نقله لم يكن عن طريق الإسعاف بل بسيارة نصف نقل وفرها له أهل بلدته، وعندما وصل للمستشفى وجد أن الطبيب المتخصص فى حالته، غير موجود وعليه الانتظار حتى يأتى!
أما القصة الرابعة فهى لسيدة تجاوزت الـ60، ووقعت من على سلم منزلها، وتم نقلها للمستشفى ولكنها وجدت أجهزة الإشاعة معطلة، وأن المستشفى متعاقدة مع أحد المراكز الخاصة، وتحويلها له يحتاج لبعض الإجراءات التى لو انتظرتها لذهبت للدار الآخرة بسرعة الصاروخ!.
إنها قصص مؤلمة وقعت فى طريقى أثناء مرضى، وحملنى أصحابها أمانة تبليغها لرئيس الجمهورية ووزير الصحة، ولا أجد كلمات كافية تعبر عن آلام البسطاء من مرضى شعبنا، الذين عذبهم الفقر والإهمال وتجاهل أصحاب القرار، وأنهى كلمات مقالى بأن أهدى لكل صاحب مسئولية فى هذا البلد، كلمات عمر بن الخطاب "لو عثرت بغلة للعراق لسألنى الله تعالى عنها لما لم تمهد لها الطريق يا عمر؟".
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة