جمعتنى مع نفسى جلسة هادئة ضمن الجلسات الهادئة الكثيرة التى أنفرد بها مع ذاتى، وغالبا ما ينتهى الصد والرد فيها بمشكلات صاخبة مع الآخر وما أكثرها.
ما علينا.. فى هذه الجلسة كنت أتجول بين المحطات الفضائية، أبحث عن فيلم أو مسلسل لم أشاهده من قبل وهى مهمة شاقة، وبطريق الخطأ وجدت نفسى أمام برنامج العاشرة مساء ومقدمته تتحاور مع نجم الموسم محمد البرادعى.
المهم.. ما أن بدأت فى محاولة التركيز فى الحوار العميق الذى يدور حول قصة البرادعى والترشح للرئاسة حتى بدأ عقلى لعبته المتكررة معى وأخذنى فى غفوة أبعدتنى عن الأحداث.
فى هذه الغفوة عادت بى الذاكرة للوراء "شوية سنين" لأجد نفسى جالساً تحت نخلة بجوار ساعة جامعة القاهرة المشهورة مع صديقى نحرق بعض الساعات فى مناقشات سياسية وفكرية قبل بدء اجتماع النادى السياسى الذى كان يضمنا.
كان الحوار حول شعارنا الشهير آنذاك "مطالبنا واضحة وهى.. جمهورية برلمانية" وكنت من المتحمسين لهذا الشعار على عكس صديقى الذى باغتنى بسؤال .."تفتكر سلطة غاصبة ديكتاتورية معها أدواتها من جيش وشرطة وتابعة للإمبريالية الأميركية ممكن تتنازل عن سلطتها لآخرين بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع؟".. فرديت فى ثقة المتفائل "طبعا ممكن ما هى دى الديمقراطية، وهى مش غريبة علينا، فكثير من الحكومات قبل 1952 كانت تصل للحكم وتتولى مسئولية الوزارات بالانتخابات والديمقراطية".. فرد صديقى سريعا "ولكن السلطة والنظام لم يتغيرا إلا بحركة الجيش المدعومة بالسلاح 1952".
واستمر صديقى يضرب لى الأمثلة، ومنها تجربة شيلى التى كانت أحداثها قريبة زمنيا من لحظة حوارنا.
وشيلى هى إحدى دول أمريكا اللاتينية التى بدأت الحياة الديمقراطية فيها مبكراً عام 1861 ودخل الديمقراطيون فى عدة صدامات مع الجيش وقت صعود وهيمنة الجنرلات على العالم، ولكن تمسك الشعب بالديمقراطية كان غالبا ما يحسم هذه الصراعات لصالح الخيار الديمقراطى.. وطوال هذه الفترة لم تمثل الحياة الديمقراطية فى شيلى مخاطر حقيقية على مصالح القوى الاحتكارية الاستعمارية الصاعدة بقيادة الولايات المتحدة.
حتى كان عام 1970 عندما استطاع الاشتراكى سلفادور الليندى أن يصل للحكم عبر صناديق الاقتراع، وشكل وجوده مخاطر كبيرة على المصالح الأمريكية.. المهم انتهت فترة حكم الليندى بعد ثلاث سنوات بانقلاب عسكرى بزعامة الديكتاتور "بينوشيت" مدعوما بمساعدات المخابرات المركزية الأميركية ومباركة الحكومة الاميركية تحت رئاسة نيكسون.
بمجرد أن شكلت السلطة الجديدة مخاطر على مصالح الولايات المتحدة تناست أمريكا كل دعاوى الحرية والليبرالية والديمقراطية .. ودعمت انقلاب مسلح دموى قتل الليندى ورفاقه بوحشية داخل قصر الرئاسة.. واقتاد عسكر الانقلاب الدموى مؤيدى الحكم الديمقراطى إلى ستاد ضخم وتخلصوا منهم فى مذبحة دموية بشعة، وكان منهم مفكرون وفنانون وممثلون لكل فئات المجتمع.. ودخلت شيلى مرحلة حكم ديكتاتورى حُكمت خلاله بالحديد والنار وتم تعطيل الدستور والبرلمان برعاية ومباركة الولايات المتحدة الأميركية.
أفقت من غفوتى والبرادعى يؤكد على سعيه لانقلاب دستورى وإقامة نقلة نوعية من النظام غير الديمقراطى إلى آخر ديمقراطى وتأكيده على علاقة المحبة بينه وبين رئيس النظام الحالى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة