أين نحن من السينما العالمية؟ هذا السؤال البسيط يفتح الباب لمجموعة من الأزمات.. قد يكون أغلبها معروفا وواضحا، إلا أننا لم نسع لمناقشتها.. أو إيجاد الحلول المناسبة، أزمة السينما فى مصر تحولت إلى متاهة، مجرد فض مجالس، والحصاد صفر.. فبعد تاريخ يصل إلى مائة وعشرين عاماً.. هو تاريخ السينما المصرية.. نجد أنها تتراجع وأن ما نشاهده اليوم مجرد غناء.. ولا يرقى بأى حال من الأحوال أن يمثل مصر بتاريخها وقدرتها.. نلف وندور حول قضايا الرقابة والمحاذير والجهات العليا ومتطلباتها.. لكن الحقيقة أن صناعة السينما ذاتها فى خطر بدءاً بالمنتجين والمخرجين وصولاً إلى الممثلين والعناصر الفنية المساعدة.. لهذا نشارك فى مهرجانات دولية وعالمية.. ونخرج منها صفر اليدين.. وتسبقنا دول أخرى أقل شأناً وحجما وحضارة وتاريخاً..!! فى الماضى كان كل فى مكانه الحقيقى المنتج يعى الدور المكلف به.. كان لدينا نموذج المنتج الكبير رمسيس نجيب يسمونه صانع النجوم.. وكان الراحل الكبير حسن الإمام يطلق عليه «الأكاديمية».. ويقصد أنه المنتج الشامل الذى يوظف كل الفنانين فى أماكنهم.. ولهذا وجدنا أفلامنا فى المهرجانات العالمية.. وكان التنافس كثيراً يكون لصالحنا.. لأن السعى نحو النهوض كان موجوداً بقوة.. هذا الجو المثالى - هو المفقود حالياً.. أما اليوم فنحن لا نجد سوى العرى الساذج والسينما القبيحة الخالية من الفن.. ولسنا ضد السينما الجريئة.. فقد قدمت سينما الستينيات من القرن الماضى سينما الإغراء بوعى ونضج.. لكننا اليوم ضد اللاسينما التى تفتح مجالا،ً لأن نقول على أى شىء يركز صناع هذه السينما؟ وأى ابتكار يقدمون؟!
نحن لا نجد من وراء ذلك سوى شعارات ومجرد «ميديا» و«بروباجندا».. نجد مخرج الأزمات ومخرج العشوائيات ومخرج قضايا الفساد والأزمات مع الرقابة ولجنة التظلمات، وندور ونلف حول نفس الكلاشيهات بلا هدف سوى الثرثرة وافتعال أزمات فقط.. دون حلول ودون جديد أو اجتهاد.. فإذا توقف مؤشر الفضائيات عند «أم. بى. سى. تو» مثلاً نجد كما من الأفلام العالمية المدهشة، تحيلك إلى عالم آخر من الإبداع، سواء الأدبى أو الإخراج المبهر عالى التكنيك، أو أفلام الخيال العلمى أو الأفلام التاريخية أو السياسية.. أو الكوميدية.. شىء مبدع فوق الخيال.. وكلنا نشاهد هذه الأيام فى السينما فيلم «أڤاتار» وأعتبره إعجازا سينمائيا بكل المقاييس وعملا يخلده التاريخ.. مخرج الفيلم چيمس كاميرون تحول بعد هذا الفيلم، إلى نموذج يحتذى.. هذا الفيلم يجمع المثالية فى كل عناصره بدءاً من النص البارع وصولاً إلى مزج الحلم بالحقيقة، وصولاً إلى استثمار التكنولوجيا فى أفضل حالاتها.. ولا أعرف كيف ومتى نتعلم من هذه النماذج التى أشاهدها ويصيبنى الحزن وأنا أردد: أين نحن من هذه السينما العالمية التى تخطت كل الحدود.. القضية أننا لا نعرف كيف نستفيد من الخبرات.. لأن لدينا المنتجين الذين يمكنهم الحماس لعمل وضخ الأموال التى تضمن الخروج به إلى أعلى حالات الإبداع.. ولكن هل لهؤلاء المنتجين الفكر الذى يؤهلهم لانتقال السينما المصرية من حالها شبه الميت.. إلى عملية الإحياء والتطوير؟! أشك فى ذلك لأنه من المؤسف أن أغلب منتجينا يسعون فقط إلى الربح المادى والبحث عن السبل الأسرع لتحقيق المزيد من الثراء والثروات.. والمزاعم موجودة.. يكفى أن يقال: «الجمهور عاوز كده».. هذا الجمهور المظلوم والذى تم تدمير ذوقه فى السنوات الأخيرة.. هو الذى يستغل فى الترويج لأحلامه.. لأن هذا الجمهور ذاته هو الذى أقبل من قبل على أفلام «تايتانيك» و«كليوباترا» و«الغيبوبة» و«نيكسون» وغيرها من الأفلام العالمية المبهرة ومن قبلها «غاندى».. تجارب عالمية خالدة حفظت فى ذاكرة التاريخ العالمى باكتساح.. هذا الجمهور المصرى أيضاً هو الذى رفض الابتذال وغير صحيح أنه هو الذى يسعى للأفلام السائدة.. لأن هذه الأفلام يتم ترويجها للشباب والمراهقين.. والذين لم يتم بعد اكتمال شخصيتهم الفنية.. أو لم يتم بعد بلورة ضميرهم الأدبى.. بما يليق.. وهو شىء عادى.. وليس سلبياً.. فهذه الأفلام السائدة لا تعبر عن شخصية مصر إذن.. إنها تعبر عن مرحلة هبوط فقط.. والناتج هو أننا لم نستثمر بعد مواهب وطموحات ومخزون فنانينا وفناناتنا أمثال منى زكى وغادة عبدالرازق وأحمد السقا وكريم عبدالعزيز وأحمد عز وعمر وسعد نجوم مهمين وإمكانياتهم فوق ما يقدمون.. لأنه لم يتح لهم فرصة الانطلاق من خلال الأعمال التى تترك علامات مميزة، مجرد تواجد والسؤال عند ذلك المنتج، وهذا المخرج والجريمة ضحاياها كثيرون من النجوم - كنا نضع ومازلنا - آمالاً كثيرة فى تغيير الخريطة.. الموجودة.. ولكن ما قدموه لم يستخرج ما بداخلهم.. ومع احترامى الشديد وتقديرى.. للزملاء النقاد.. فهم يملأُون الصحف وهماً حول الموجود وحول فنانينا.. وأقول إن كلامهم.. برغم أهميته فإنه يناقش القضايا الهامشية.. فهل دخل أحد منهم إلى عمق الأزمة..؟ أقول: لا.. لأنهم تعاملوا مع هؤلاء بصفة خاصة من حيث قيمة الإنتاج وشعبية الفيلم أو ما يثار حوله من زوابع أو تجاوزات.. أما الحقيقة أن أغلب هذه الأفلام تظهر وسرعان ما تختفى.. وتعرض مئات المرات على الفضائيات وبدلاً من أن تزداد بهاء وأصالة، فإنها تتحول إلى سخف وعبء ووصمة عار فى تاريخنا الفنى.. الذى كم لوثته أفلام كثيرة لا معنى لها ولا قيمة.. ولا تمثل مصر اليوم ونحن نفتح الملف الشائك علينا أن نعى أننا غائبون عن تجديد طرق التوزيع الخارجى.. فالمفترض أن تتسع خرائط التوزيع الخارجى.. فإذا بنا كما كنا فى سنوات الستينيات من القرن الماضى.. نفس السبل ونفس المفاهيم.. ونفس الطرق.. فإذا تأملنا نجد أن بلاد جنوب افريقيا قد تجاوزتنا بكثير وسبقونا فى السينما بفضل الإنتاج الواعى والمرتبط بالتسويق والتوزيع الخارجى.. السينما عندهم ابتكار.. وعندنا «افتقار».. كيف ننهض بصناعة السينما فى مصر.. ونحن لم ندرس سوى أدوات السينما التجارية أو ما اتفق على تسميتها بسينما المقاولات؟! القضية ليست مجرد فتح الملفات.. ولكن هى قضية إعادة بناء صرح فنى كان فى يوم من الأيام أحد مصادر الثقافة والمعرفة.. اليوم أصبح أهم مصادر التغييب وفقدان الوعى..!! فى الأربعينيات وما قبلها دخل فى صناعة السينما شوامخ الفنانين بل دخل فى دعمها الاقتصادى المصرى الكبير طلعت حرب.. وأنشأ استوديو خاصا للسينما.. وأنشأ منافذ للتوزيع الداخلى والخارجى وكانت السينما حتى الستينيات ناطقة بلسان شخصية مصر.. فماذا جرى لنا.. وماذا جرى للفن المصرى؟!.. ولماذا غبنا وتراجعنا كل هذه السنوات.. الأمر خطير.. فانتبهوا أيها السادة..!!.
محمد فودة
محمد فودة يكتب.. السينما المصرية تتدهور.. والفنانون فى مفترق الطرق..!!
الجمعة، 19 فبراير 2010 12:29 ص
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة