سعيد شعيب

جوجل ضد الصين

الثلاثاء، 16 فبراير 2010 11:55 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
المعركة التى أعقبت إعلان شركة جوجل العملاقة نيتها الانسحاب من السوق الصينية، ليست صراعا عنيفا حول بيزنس بالمليارات، ولكنه فى الجوهر صراع بين أسلوبين فى إدارة العالم، بل وبين منهجين فى الحياة.

الصين فرضت رقابة صارمة على محرك بحث جوجل، فمن المستحيل أن تجد مردودا لكلمات مثل » ساحة تيانانمين« أو »دلاى لاما« أو «الميدان السماوى« وغيرها من الجمل التى لها طابع سياسى تعتبره الحكومة الصينية أمرا مزعجا بالنسبة لها. وعلى الجانب الآخر فإن شركة جوجل رغم إعلانها الانسحاب، فربما يصل الأمر عن طريق التفاوض إلى حلول وسط، فالصين بالنسبة لها السوق الأضخم والأكثر نموا فى العالم، ومن المتوقع، بل ومن المؤكد، أنها تريد تحقيق مليارات منها، ناهيك عن أنها وهى الشركة الأكبر فى العالم فى مجال المعلومات، تريد التواجد المؤثر فى كل الأسواق فى العالم، وتريد أن تكون الأكثر قوة وتأثيرا.

لكن جوهر الصراع أعمق من ذلك، فهو صراع بين مفهومين للحرية، حكومة الصين ترى أن استقرار المجتمع هو مهمتها المقدسة. ومن وجهة نظر قطاع كبير من نخبتها الحاكمة هو الأساس الصلب للتنمية المتصاعدة. وبالتالى فالتضحية بالحرية السياسية ليست أمرا موجعا، بل يرى بعض الكُتاب الغربيين أن المواطن الصينى لا ينظر للدولة باعتبارها خصما، كما فى الكثير من دول العالم، ولابد من قصقصة ريشها، لصالح الفرد، ولكنها الأب الحامى لكل المواطنين، إنه تراث ممتد فى التاريخ لنظام أبوى فى دولة مركزية عريقة. وإذا أضفت إلى ذلك أنها الدولة الأكثر سكانا والأكثر مساحة، وتضم عددا كبيرا من الأقليات الدينية والعرقية، يصبح الحفاظ على استقرار منزوع السياسة أمرا لا غنى عنه.

على الجانب الآخر فالموديل الغربى يرى استحالة وجود حرية سوق دون وجود حرية تداول معلومات وحريات سياسية، بل وفى الحياة الاجتماعية. فهذه الحريات فضلا عن كونها من حقوق الإنسان، هى الضمانة لمقاومة الفساد والضمانة لرقابة المجتمع على مؤسسات الدولة، وضمانة لحرية حقيقية فى السوق العالمية، ناهيك عن أنها تفجر الطاقات الإبداعية للأفراد، وهذه هى القاطرة التى تقود فى زمننا أى تطور اقتصادى.

لكن هذا الطرح يتجاهل أنه لا يمكن اعتبار الصين بلدا رأسماليا، ولكنه فى جوهره، رأسمالية دولة، تقود بشكل براجماتى عنيف نموا اقتصاديا هائلا، لا يعرف أحد هل سيصل إلى النقطة التى لابد أن يدفع فيها استحقاقاته المؤجلة، من نقابات عمالية وفلاحية، ومن حق تأسيس الجمعيات والأحزاب.. إلخ.

لكن فى كل الأحوال، فرغم أن الصين تتعامل فى أحيان كثيرة باستهانة مع الولايات المتحدة والغرب، ربما على خلفية أنها قوى كبرى تتراجع لتحل محلها، لكن المصالح متشابكة، بل ومعقدة بين الصين والغرب، وهو ما يصعب من احتمالية وقوع مواجهات، ولكنها ستظل فى النهاية مناوشات بين قوتين مجبرتين على التعامل معا، إلى أن تنتصر إحداهما.. وأتمنى ألا تكون السلطة الحاكمة فى الصين.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة