كيف يمكن لى أن أثق فى قاضى، لديه من الأساس موقف منحاز ضد النوع؟
كيف يمكن لامرأة أن تقف بين يدى قاضى أو تترك مصالحها لقناعاته؛ إذا كان منحازاً من الأساس ضدها؟
بكل صدق .. لا أستطيع أن أصدق أو أقتنع أو أن أقدم تبريراً يبدو منطقياً، لانحياز رجال القضاء ضد عمل المرأة معهم! ليس لأنى منحازة بالأساس لأداء المرأة المهنى ـ بشكلٍ عام ـ فحسب، ولا لكونى أؤمن ـ طبعاً ـ بأن التفوق والتميز لا يعترف بالتمييز النوعى؛ بل لأننا نعيش فى زمن لا تحتاج فيه المرأة للدفاع عن صلاحيتها للعمل فى هذه المهنة بكل فروعها، بعد أن سبقتنا دول عربية وإسلامية فى ذلك؛ ما يفند أى حجة عن جواز تولى المرأة هذا العمل فى بلد تدين غالبيته بالإسلام، أما عن الدول الغربية فحدث ولا حرج، لأن المرأة تمارس فيها القضاء منذ سنين طويلة، بما ينفى بكل تأكيد عدم صلاحيتها كـ"أنثى" لهذا العمل.
وإذا كانت بعض النساء قد حصلن بالفعل على هذه الفرصة مؤخراً؛ إلا أن التوجه العام، والذى يلخصه البعض ـ مجازاً ـ فى جملة "مؤلمة" تقول بأن "تهانى الجبالى" ستكون أول وآخر قاضية مصرية، يؤكد أن أى مكاسب حصلت عليها المرأة فى هذا الإطار ستذروها الرياح فى أول فرصة، لأنها جاءت دون قناعات حقيقية لدى رجال هذا السلك.. الذين يحكمون بالحق.
أكثر من الإحباط بكثير؛ هو ما يصيب أى امرأة لديها طموح فى سلك القضاء (على تشعبه)، عقب قرار الجمعية العمومية "الطارئة" لمجلس الدولة، التى انعقدت خصيصاً "للنظر فى تعيين المرأة فى الوظائف الفنية"، الجمعية العمومية قررت رفض تعيين المرأة كقاضية فى المجلس، بعد اعتراض 334 عضواً، من أصل 380 عضواً حضروا الجمعية، فيما امتنع 4 عن التصويت، ووافق 42 .
صحيح أنه من المقرر عرض نتيجة التصويت على رئيس مجلس الدولة ليعرضها بدوره على المجلس الخاص لاتخاذ القرار المناسب فى شأنه. لكن طبعاً التوجه العام للمجلس واضح فى الرفض .. ثم الرفض.
لو أن أحداً يمتلك تفسيراً لما يجرى؛ فليخبرنى.
كيف لرجل القضاء أن يحكم بالعدل وهو يفرق بين رجل وامرأة بالنظر إلى كونهما ذكرا وأنثى؟
وكيف يتعامل رجل القضاء مع "زميلته" بالأساس على اعتبار كونها امرأة؟
ولو أن الوظائف القانونية تفرق بين المواطنين على أساس النوع؛ فلما لا تتم التفرقة بينهم فى كليات الحقوق التى يدرس الجميع فيها المواد نفسها ويؤهلون للأعمال نفسها؟
لن أذكر كل ما يمكن أن تقوله الجمعيات المدافعة عن حقوق المرأة، ولا المدافعون عن تمكين النساء فى مصر، ولا حتى المنادين بتفعيل حقوق المواطنة. لكننى سأخاطب الرجال الذين نوكل إليهم الحكم بالعدل:
لو أن الطالبة التى تدرس القانون هى أقل ذكاءً من زميلها
ولو أن المحامية التى تمارس القضاء الواقف هى أقل أداء من زميلها
ولو أن الأستاذة التى تدرس القانون لمن سيصبحون ـ فى المستقبل ـ رجال قضاء .. هى أقل كفاءة من زميلها..
لو أنكم ترون ذلك حقاً وتؤمنون به وضمائركم ترضى عنه؛ فلترفضوا أن تجلس نساء مصر بجواركم ليحكمن بالعدل، ولتعلنوها للعالم أجمع: أن النساء المصريات ـ من دون نساء العالم ـ لا يصلحن للعمل فى القضاء لأنهن "ناقصات عقلٍ ودين".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة