عشنا قديمًا كذبة كبيرة مفادها أن الحب لا يفرق بين الغنى والفقير.. وكان الفقراء يفرحون عندما يسمعون هذا مقتنعين أن لهم شيئًا مشتركاً مع الأغنياء، تلك هى الفرية التى لم يصدقها فقير إلا وصفعه الزمن فى غفلة صفعة أفاقته من دوامة وهم كاد أن يودى به، فمن المسلمات فى العقل المصرى أنه إذا ما خير المرء بين إطعام قلبه وإطعام معدته، الأخيرة أولى لأن الجوع كافر، فى حين أن من ينقصه الحب يستطيع التنفس وعيش حياة طبيعية.
وليس تجنيا على الفقراء بوصفهم أنهم لا يعرفون الحب إلا قليلا، فهذا الحب الذى نتحدث عنه سماء بعيدة لا تطالها أيديهم القصيرة، كما أن وسائد العشق الندية لم تتعودها جنوبهم التى نامت على الحصى وتشبعت برطوبة الأرض ، إن ما يبحث عنه الفقراء هو الرضا وليس الحب، إنهم يرجون ما يسد رمقهم، فالدباديب الحمراء والقلوب التى تغنى، لا تصلح طعاما لهم، فالمحرومون والمقهورون والمظلومون وأصحاب الحوائج جميعهم مطالبون دوما بالتعلق فى أهداب الحياة حتى تمر، أما الحب وأشياؤه الأخرى فهى رفاهية هم فى غنى عنها.
أزمة الحب مع قلوب الفقراء ليست نقصا فيهم على طول الخط، أحيانا كثيرة تكون عيبا فى الحب نفسه، فذلك يتسلل إلى حنايا القلب بين لحظة وأخرى يريد من يرعاه ويغدق عليه حنانا، فكيف لبذرة بهذه النعومة أن تنبت فى صخور تحتاج إلى أعواما من الرى بالماء لتصبح قابلة للزرع، فالحب لحظات إيجابية تشعر بها من الداخل فكيف هذا والداخل يبحث عن أشياء كثيرة أكثر أهمية، ليس من بينها الحب.
ورغم كل هذا الجفاء بين هذه الفئة من الناس والحب، فإنه وحده يصلح أن يكون علاجا ناجعا للقاسية قلوبهم، فهو قادر على أن يصفى نواياك ويفتح خزائن مشاعرك، حينما يطرق الباب فجأة فتفتح لنجد ضيفا يملأ قلبك نورا وتتفتح له ورودا بداخلك لأول مرة تشعر بهذه المساحات الخضراء الشاسعة فى نفسك، هذا هو الحب الصافى، والفقراء قد لا يشعرون بالحب ولكنهم يحتاجونه ممن حولهم، والعفيف منهم لا يتسوله من أحد والشريف من الأغنياء هو من يعطيهم الحب دون أن يسألوه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة