قبل أن تقرأ::
هذا المقال تكريم لمواطن مصرى كلنا نحمل ذنب وفاته فى طابور الأنابيب لأننا لم نخرج لنعترض حينما اختفت الأنابيب وأصبحت أغلى من الهيروين ولم نصرخ حينما سرقوا غازنا وأهدوه للكيان الصهيونى بتراب الفلوس، وتأريخ لظهور أول ضحايا طوابير الأنابيب بعد ضحايا طوابير العيش والبنزين والمستشفيات.. اقرأوا على روحه الفاتحة.. واستعدوا لأن كل واحد فينا سيكون له دور فى ذلك الطابور.
لو أنا رئيس الجمهورية وسمعت أن أنابيب البوتاجاز فى مصر أصبحت أندر من الماس لشعرت بخجل يكفى لخلق رغبة حقيقية داخلى بأن تنشق الأرض وتبعلنى، لو أنا رئيس الجمهورية أو أى وزير من هؤلاء الذين يجيدون الفذلكة أمام الكاميرات وعلمت بأن أنبوبة البوتاجاز تخطى ثمنها الستين جنيها لشعرت بمرارة البطحة التى على رأسى وكتبت خطاب استقالتى واشتريت بنفسى عددا من القلل حتى يكسرها المواطنين خلف ظهرى إن كانوا رحماء أو فوق رأسى إن أرادوا تطبيق العدالة حرفيا.. ولكن بما أن هؤلاء أى السادة المسئولين عن إدارة شئون هذا البلد ليسوا مثلى أو مثلك أو مثل هؤلاء الذين تصاب وجوههم بالاحمرار حينما يخطئون فلن يفعلوا ذلك أبدا، ربما لأنهم فقدوا الإحساس بهموم هذا الوطن وهموم أهله، وربما لأنهم أصبحوا من عشاق صناعة هموم إضافية وتحميلها على أكتاف الغلابة لحساب خلق مساحات إضافية من الرفاهية لحياتهم.
هذا هو أحد تفسيرين لدى حول مسألة الطوابير التى تملأ هذا البلد وفى طريقنا لأن نفقد من صفوفها أكثر مما فقدنا فى معركتنا مع إسرائيل، أما التفسير الآخر فقد كنت كتبت فيه من قبل ولا ضرر من إعادة اللت والعجن فيه على اعتبار أنى أحد المؤمنين بالعبارة الخالدة التكرار بيعلم الشطار..
من المؤكد أن أحدهم سيتذكر يوما ما أننا فى حاجة إلى تكريم ضحايا الطوابير بأنواعها، أحدهم سيسعى لإدانة الحكومة، وأحدهم سيدعو حتما إلى إنشاء نصب تذكارى لشهداء طوابير العيش والمستشفيات والمعاشات والبنزين والأنابيب، إن لم يكن تكريما لأرواح هؤلاء الغلابة، فعلى الأقل محاولة لتأريخ أحد أهم العصور فى حياة مصر.. عصر الأشياء الطويلة، وإن لم يكن هذا أو ذاك، فستظل محاولة ذكية لخلق شىء ما لتأنيب ضمير هؤلاء الذين خلقوا الطوابير ولم ينجحوا فى فركشتها.
لابد أنه فخور بذلك.. يجلس واضعا قدميه فى وجه من أمامه ويشاهد تسجيلات مصورة لأنواع مختلفة من الطوابير، وربما يغضب إذا وجد واحدا منها مصفوفا بانتظام ولا يحتوى على قدر كاف من الانحناءات الثعبانية، هو يعشق الأشياء الطويلة المتعرجة حتى أنه جعل طريقنا إلى المستقبل بهذا الشكل.
إياك أن تتخيل فى لحظة ما أن حكومتنا الموقرة - ورئيسها الموقر برضه- منزعجة من فكرة الطوابير التى انتشرت وأصبحت ثالث الماء والهواء فى حايتنا.. فهى ليست ثعابين سامة لا سمح الله، والمواطن لابد أن يعمل ويتعب حتى إذا حصل على الشىء بعد تعب حافظ عليه.. صدقنى الدولة تلعب بموضوع الطوابير وغير منزعجة تماما، وإلا فأين هى منذ 26 سنة أصبحت الطوابير فيها مثل برج إيفل فى فرنسا، مع ميزة التنوع.. فهذا طابور من أجل رغيف عيش، وهذا طابور للمعاشات، وآخر للبنزين وآخر أمام مستشفى فى انتظار الموت، وهذا طابور تذاكر المباريات، وهذا طابور للباحثين عن مساكن الإيواء، وهذا طابور آخر أمام معبر رفح يريد أن يمر لتقديم المساعدة، بالإضافة إلى الطابور الأشهر فى مصر.. طابور العاطلين الفقراء!
إنها وجهة نظر عبقرية ياسيدى.. لن يتجرأ مواطن من رواد طابور العيش على أن يلقى ما حصل عليه بعد معركة إلى البط والفراخ، ولن يفعل المواطن الذى قضى حاجته من مصلحة حكومية بعد طابور طويل وممل أكثر من الدعاء على الحكومة.. ثم النوم تعبا، ولن يغضب أهل المرضى الذين يقفون معهم فى طوابير أمام المستشفيات لأن تعب الطوابير كافٍ لأن يدفعهم للصمت والبكاء على الميت، فلا مظاهرات ولا اعتصامات ولا احتجاجات.. ألم أقل لك إنها وسيلة عبقرية!
سياسة الأشياء الطويلة هى الطريقة التى أسسها نظام الرئيس مبارك حتى يشعر شعبه بطعم الأشياء، فلماذا تصل إلى هدفك وتحققه بسرعة وتصبح مؤهلاً للتفكير فى أشياء أخرى مادام يمكنهم دفعك للوقوف فى طابور طويل تنشغل بحركته للأمام ودورك الذى سيأتى بعد كام حركة.
هذا النظام يعشق الأشياء الطويلة فهو صاحب الكبارى الطويلة، وسياسة النفس الطويل، والإصلاح الديمقراطى والسياسى والاقتصادى على المدى الطويل، حتى أنه حينما اختار رئيسا للوزراء اختاره طويلا تماما مثل كباريه وطوابيره.
وكالعادة لم تنجح تلك السياسة كغيرها من سياسات الحكومة.. بالنسبة للطوابير فهى لم تشغل الناس بل زادت من غضبهم، أما الكبارى فلم تحل الأزمة المرورية ولكنها تحولت إلى مصيدة موت، وسياسة النفس الطويل سياسيا وضعت سمعة مصر فى الطين، أما رئيس الوزراء الطويل فهو سبب كل المصائب الطويلة الأخرى.. هذا بخلاف أن أهل الحكم أنفسهم ينتمون لفئة طويل العمر يطول عمره.. شوفت الطول بيعمل فينا إيه بقى!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة