أفهم لماذا أعارض بيع مستشفى العباسية للصحة النفسية، أولاً باعتبارها صرحاً طبياً له قيمة تاريخية يتجاوز المائة عام، وله ثقله على المستوى العلمى دولياً، وثانياً لأنه يسد نقصاً هائلاً فى خدمة مرضى الصحة النفسية، حيث تشير المصادر المتخصصة إلى تقديم المستشفى خدماته لنحو 80 ألف مريض سنوياً، وثالثاً لدوره التعليمى الكبير داخلياً، بحكم كونه معهداً لتخريج أجيال من الأطباء النابهين، لا أعتقد أن أى مستشفى بديل يستطيع أن يحل محله، إذا تم الهدم، لا قدر الله.
لكنى أريد أن أفهم أيضاً المنطق وراء فكرة بيع المستشفى فى أذهان بعض المسئولين المتعصبين لمبدأ بيع أى شىء وكل شىء من أجل حفنة أموال سرعان ما تضيع، بحكم السياسات العشوائية.
المنطق الظاهر حتى الآن هو إعادة تخطيط المنطقة بكاملها التى يقع ضمنها المستشفى، حيث قام المسئولون عن وضع تصور جديد للمنطقة بمحو المستشفى من خرائطهم ،باعتباره من معالم الماضى الذى يجب محوه والبدء من جديد، من نقطة الصفر، دون التفكير فى صحة مبدأ " نقطة الصفر" ، أو الخسائر المترتبة على إزالة وفقدان مستشفى بقيمة وأهمية "العباسية" للصحة النفسية.
المنطق الظاهر لدى أصحاب مبدأ البيع أيضاً، أن مستشفى "العباسية" يملك أصولاً تمثل ثروة (الأرض) لكنه لا يحقق عائداً يوازى "الثروة الخام التى يملكها" ومن ثم يسعى أصحاب مبدأ البيع إلى استخراج "الثروة الخام" للمستشفى، أى الأرض المقام عليها، وإعادة تدويرها لتحقيق عائد مادى (كاش)، دون أن يحسبوا القيمة التاريخية التى لا تقدر للمستشفى، أو ثمن الخدمة التى يقدمها لنحو 80 ألف مريض سنوياً والتى ستضطر وزارة الصحة والحكومة أن تقدمها لنفس المرضى بصورة أو بأخرى، ودون أن يحسبوا تكلفة التعليم والتدريب التى يقدمها المستشفى دورياً لآلاف الكوادر الطبية، وهى قيمة عالية جداً إذا قدرناها بـ(الكاش) وستكتشف وزارة التعليم العالى و وزارة الصحة خسارتها فى حالة هدم المستشفى، وستدفع أضعافها إذا حاولت الوزارتان تعويض هذه الخسائر فى المستقبل.
ما أريد قوله، أن فكرة البيع التى سيطرت على أذهان بعض المسئولين باعتبارها أيدولوجيا لتحقيق أرقام بحسابات (الكاش) أشبه ببيع المكتبات النفيسة بالكيلو لتتحول صفحاتها إلى قراطيس لب وسودانى، ويكفى مقارنة مستوى الأطباء المتخرجين من كليات تملك مستشفيات تعليمية عريقة مثل عين شمس والقاهرة بالكليات الخاصة التى تخرج أطباء يعملون مندوبى مبيعات لشركات الأدوية، حتى تعرف ثمن تدريب طبيب فى مستشفى مثل العباسية، وهو الثمن الذى لا يدخل فى حسابات أصحاب مبدأ البيع من أجل البيع!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة