الصورة هى لغة التليفزيون؛ الحمد لله أن هناك من لا يزال يعتقد فى هذا.
فالمأزق الذى عادةً ما يقع فيه بعض صناع الأفلام الوثائقية المصريين، هو اهتمامهم بالمادة المكتوبة / المسموعة، المليئة بالمعلومات، على حساب الصورة، ولذلك يواجه هؤلاء مشكلات تتعلق برفض قبول إنتاجهم من بعض القنوات غير المصرية، التى ترفض شراءها بسبب مشكلات تتعلق بمدة اللقطة على الشاشة وسرعة تدفق الصور.
وهذا ما تفاداه صناع فيلم «المحظورة»، الوثائقى الذى أذاعته قناة Ontv على أربعة أجزاء فى أيام متتالية، وهو الفيلم الذى من الطبيعى أن يثير الكثير من الجدل والغضب، كونه منحازاً ضد جماعة الإخوان المسلمين أو «المحظورة» كما يطلق عليها الإعلام الحكومى.
أكثر ما يلفت النظر فى هذا الوثائقى، ليس كونه يحمل كماً كبيراً من المعلومات التاريخية عن الجماعة، مع تحليلات عميقة ومتنوعة، وحسب، ولكن كون صناعه استطاعوا توظيف كلٍ من الإضاءة والخلفية والكادرات، لنقل وجهة نظرهم (المنحازة ضد الجماعة)، فعكست رأيهم ببلاغة وببساطة.
هى بساطة، تشبه كثيراً الانسيابية التى نجدها فى التشبيه الذى أطلقه العبقرى «وحيد حامد»، حين اختار «طيور الظلام» اسماً لفيلمه الشهير والشجاع والجميل.
الخلفية المظلمة، التى قدمها الفيلم لبعض المتحدثين المحسوبين على الجماعة أو المدافعين عنها، هى نموذج لتوظيف عناصر العمل التليفزيونى لخلق الجماليات الفنية، دون أن يكون ذلك على حساب المضمون، بل فى هذه الحالة جاءت لتخدم المضمون، ولتعلن موقفاً واضحاً.. لمن يفهم.
الجميل فى هذا الفيلم أيضاً - بأجزائه الأربعة، هو هذا الكم الكبير من المواد الفيليمة الأرشيفية، والتى حصلت عليها القناة من وكالة الأسوشيتدبرس فى فترة سابقة، ثم أحسنت توظيفها عند إنتاج هذا الفيلم، فترجمت المعلومات التى ذكرها المتحدثون إلى صور طوال الوقت، وهو الجانب الأصعب فى إنتاج أى فيلم وثائقى، لأسباب تتعلق بصعوبة عملية «البحث» عنها لمعرفة الموجود منها بالأساس، وارتفاع ثمن شرائها أو شراء حق بثها، والأهم.. الإيمان بأن الفيلم هو بالأساس صورة قبل أن يكون معلومة: صورة تقدم معلومة أو صورة تعكس موقفاً.. لكن المهم هو أن تكون هناك صورة.
لو أننا نمتلك المبادرة بإعادة تقديم تاريخنا، بهذا الزخم من المواد الفيلمية واللقاءات التى ستؤرخ يوماً لتاريخنا كما ستراه الأجيال القادمة من أبناء شعبنا والشعوب الأخرى؛ لو أننا بادرنا بإعادة تقديم تاريخنا من وجهات نظر مختلفة؛ لرسمنا مستقبلنا كما نريده نحن.. لا كما تريده جماعات مثل «المحظورة».
ربما.. أو الأكيد
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة