مضت الأيام ، ولا تسألوا كيف تمضى أيام كتلك وتصبح فى غمضة عين .. ثلاث سنوات وطفلين ونفسها الغرفة . وجد سامح عملا فى جريدة صغيرة يكتب لها عن أحوال الفقر .. فتنشره فى الصفحة الأولى مقابل مبلغ ضئيل يكفى ثمن سجائر وشاى وجريدة معارضة ، وكان قدر ناهد أرحم فعملت فى مجلة كبيرة فى مؤسسة أكبر ، تحصل على مقابل يفتح غرفتها وينفق على طفليها ، كانت لاتقول لا ، تعمل كل ماتجده أمامها ، تحرر صفحة عن طعام لاتعرف مذاقه ومطاعم لاتعرف مكانها ، وتتولى أعمال السكرتارية لرئيس التحرير ، وتساعد زملاءها فى إعداد بعض برامج التليفزيون من الباطن ، فى الأيام التى يجب عندها أن تتوقف فى إجازة وضع .. كانت تختصر إجازتها إلى أسبوعين وتعود خوفا من أن يضيع كل ماصنعته من يديها وفى يوم ، حضر إلى المجلة مصور فرنسى ، استقبلته بالنيابة عن رئيس التحرير الغائب ، بينما كان يشرب فنجان قهوته التى أصرت أن تعده له بنفسها ، قال لها وهو يتأملها بعربية ضعيفة : هل تعرفين أنك تشبهين كليوباترا ملكة مصر القديمة القوية الجميلة ؟..
فى اليوم التالى كان يصورها فى المتحف المصرى ، ومنحها أجرا كبيرا !
بعدها بأيام ، سافرت معه إلى أسوان والأقصر والوادى الجديد ، وقال لها إنه سيصنع منها نجمة فى العالم ، سيحولها إلى موديل تتخاطفها بيوت الأزياء الشهيرة ، كانت هذه المرة الأولى التى تنسى فيها أيامها الأولى .. سامح .. طفليها غرفتها .. المجلة .. الفقر قال لها وهو يلتقط صورة أخيرة عند النيل : هل تسافرين معى إلى باريس ؟
دارت حول نفسها ، فى هذه اللحظة وهى تمسك يده وتقول له نعم أسافر ، كانت تفكر فى الطلاق من سامح ، وأن تترك الأطفال فى بيت أمها ، وأن ترى الدنيا ، وأن تتزوج هذا المصور المبهور بها .
حين عادت إلى القاهرة .. فاجأت سامح بطلبها للطلاق ، وفاجأها أنه متزوج بامرأة أخرى عجوز تنفق عليه وعلى استعداد أن يضم الطفلين معها . ستراحت بانتهاء إجراءات الطلاق بسرعة لم تتوقعها ، أصبحت حرة .. حتى من طفليها ، وجدت فى مكتبها بالمجلة تذكرة السفر إلى باريس.. ترددت قليلا وهى تسأل نفسها ماذا بعد ؟ ما هذه الأحداث التى لم تمهلها بعض الوقت للتفكير ، سافرت فى الموعد وحيدة إلى مطار شارل ديجول .. كان المصور فى انتظارها كما توقعت ، ترتدى جلابية فرعونية ، أخذها على الفور إلى فندق رخيص .. وقال لها بخبث : هذا مكان إقامتنا ، لم تفهم .. لكنها قالت : متى نتزوج ؟ قال : هل وعدتك بشىء من هذا ؟ قالت : .. ولكن ! قال : أنا متزوج فرنسية وعندى أولاد ! قالت : لم تقل لى ! قال : هل أنت غبية ؟ قالت : هل أنت نذل ؟ قال : .. ولو ، نذل لو كان هذا يريحك ! قالت: أريد أن أعود إلى بلدى ! قال : ليس الآن ، هناك عمل يجب أن تقومى به على الأقل لتسددى ثمن تذكرة عودتك . قالت : ألم تقل لى أنك تحبنى ؟ قال : قلت ، لكن لم أقل أننى أتزوجك . قالت : خربت بيتى من أجلك . قال : مسكينة .. ساذجة .. عاطفية . قالت : محرومة ، أطفالى لاذنب لهم . قال : ستعودين لهم بعد شهر .
عادت ناهد ، لكنها حتى الآن بعد سنة .. لم تعد!
لم تعثر ناهد على طفليها .. سافر سامح بهما إلى بلد عربى مع زوجته العجوز ، رحلت أمها ، طردتها المجلة التى كانت تعمل بها بعد أن اكتشفت أنها حاولت الحصول على «رشاوى» من مصادرها من أجل نشر أخبارهم .
ثم اختفت ناهد.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة