بسبب التقدم التكتولوجى الهائل فى وسائل الاتصال، انتشرت موضة تحويل المواطن إلى صحفى، بل وقامت الكثير من المؤسسات بعقد دورات تدريبية فى كل مكان بالعالم، لتجعل المواطنين صحفيين، منطلقين من وهم ضرورة أن يملك المواطنون أدوات الصحافة حتى يستطيعوا أن يكونوا مؤثرين فى مجتمعاتهم.
سبب هذا الوهم أن أى مواطن الآن يملك ما تملكه أكبر المؤسسات الصحفية فى العالم، فمثلاً على موبايله قسم تصوير فوتوغرافيا وقسم تسجيل صوت وصورة، كما يملك تأسيس مدونة مجاناً يراها ويقرأها ملايين البشر، وما يكتبه ويصوره يطبع منه ملايين ومليارات النسخ لو أراد، مثل أكبر مطبعة فى العالم، ويرسله إلى كل مكان، كما لو كان يملك أكبر أسطول طائرات وسيارات نقل تجوب الكرة الأرضية، لكن هل كل ذلك يجعل المواطن صحفيا؟
بالطبع لا، ولكنه تجعله يستطيع التعبير عن رأيه وتوصيله لمن يريد ويستطيع التواصل مع آلاف وملايين البشر عبر المجموعات الاجتماعية مثل الفيس بوك.. ولكن ذلك لن يجعله صحفياً.. لماذا؟
لأن الصحافة مهنة مثل أى مهنة فى الدنيا، لها قواعد وأصول يجب أن يتعلمها أى إنسان لديه موهبة، حتى يتمكن من ممارستها، ومن تطويرها إذا أنعم الله عليه بفيض من الموهبة، وبالتالى فليس كل من يستطيع الكتابة صحفياً، وليس كل من يكتبون مقالات رأى فى الصحف والمواقع الإلكترونية يستطيعون تعلم هذه المهنة، ولا يستطيعون النبوغ فيها.
قواعد وأصول الصحافة ليست من باب التعقيد و"الكلكعة والرخامة"، ولكن من باب أن المجتمع بحاجة لأن يعرف الأخبار، ولابد أن تكون لهذه الأخبار مواصفات قياسية حتى يستطيع التعامل معها، دون أن تكون محرفة أو ناقصة أو مزورة، بالضبط مثلما تشترى زجاجة مياه معدنية وتجدها مخلوطة بلون أحمر مثلاً، فسوف تغضب ولن تشترى وربما تبلغ عن البائع.
لذلك فكثير من المدونات والمدونين لا يمكن التعامل مع ما ينشروه باعتباره مصدراً موثوق فيه للمعلومات، ولكن باعتباره رأى مهم ومخلوط بالمعلومات.
وهذا لا ينفى الدور الهام الذى يلعبه المواطنون المدونون، ولكنه فى الحقيقة ليس دوراً صحفياً، ومن يريد أن يكون منهم صحفياً فأهلا به، لكن دون أن نقع فى وهم تحويل المهندسين والعمال والضبط وغيرهم من خلق الله إلى صحفيين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة