إبراهيم ربيع

الحب المتبادل بين الكرة المصرية وكأس الأمم الأفريقية

الجمعة، 22 يناير 2010 03:53 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هناك حب متبادل بين الكرة المصرية وبطولة كأس الأمم الأفريقية.. أصبح هذا الحب قصة مثل قصص الحب التاريخية الشهيرة بين روميو وجوليت، وقيس وليلى، وحسن ونعيمة.. الحكايات القديمة أصبحت تاريخاً ونموذجاً لعمق العواطف المتبادلة وانتهت مع نهاية أبطالها..

بينما حكاية الكرة المصرية مع كأس الأمم باقية إلى نهاية الزمن لأن أبطالها متجددون يمثلون طرفين معنويين تعرفا على بعضهما من أول نظرة عام 1957 عندما وقع الحب بينهما وظل يذهب ويأتى بالقطيعة تارة، واللقاء تارة أخرى على مدار 53 عاماً.. لكن ظل الحب الأول هو الحب الحقيقى لتظل سنوات القطيعة مثل الفراق بين حبيبين الذى يعيد تأجيج المشاعر والعواطف ويزيد من الشوق واللهفة..

بعد أسابيع قليلة.. ظهر الفارق بين علاقة الجفاء والحب من طرف واحد بين الكرة المصرية وكأس العالم وبين الحب المتبادل مع كأس الأمم، وهو فارق لا يجب أن نحتار فى تفسيره لا عملياً ولا عاطفياً.. فمن الناحية العملية ثبت بما لا يدع مجالاً للشك والجدل أن «الرهبنة» فى معبد كأس الأمم هو الذى يجلب الوحى بالفوز بها، وهذه الرهبنة تتطلب تفرغاً ذهنياً وتواجداً لأطول وقت فى مكان واحد وأجواء خاصة من التحضير وضبط البوصلة الفنية مع البوصلة النفسية، وهو ما يتحقق فقط عند التجهيز لكأس الأمم المحددة بفترة قصيرة فى المنافسة يسبقها فترة طويلة من التحضير.

بينما فى تصفيات كأس العالم.. تتقطع سبل الحياة بالفريق واللاعبين.. ويخرج ويدخل الجميع من أجواء إلى أجواء.. ويصعب ضبط البوصلة الفنية مع النفسية على مدار أشهر طويلة.. وتتغير الأماكن فتتغير الأمزجة وتظل المنظومة خارج السيطرة.. وكل هذا ليس نظرية ثابتة أو شائعة إلا عندنا فى مصر فقط، بدليل أن دولا أقل منا تتأهل بسهولة إلى نهائيات المونديال دون أن تفكر فى هذه العلاقات المعقدة المتشابكة التى تحكم الكرة المصرية وتجعلها عاطفية أكثر من اللزوم تتفاءل وتتشاءم وتخاف من المجهول وتضخم الأحداث، وهى بسيطة بساطة مجموعة مصر التى لن تتكرر مرة أخرى فى سهولتها..

إنه تعبير «حى» عن العقدة التى كثيرا ما نستخدمها، ولذلك لم نستغرب أن يضرب أحمد حسن كابتن المنتخب «يدا بيد» بعد مباراة الجزائر الفاصلة متعجبا من علاقتنا مع كأس العالم، وهو يقول نسميها أى حاجة غير كأس العالم حتى نفوز.. لماذا عندما يأتى ذكر كأس العالم نشعر بالرهبة وكأننا نتسلق جبلا؟ لماذا لا نستطيع السيطرة على أنفسنا عندما يطول حوارنا مع أى حدث؟ هل لذلك علاقة بما نتمتع به من عشوائية فى إدارة أنفسنا بحيث لا نسير فى الطريق الطويل حتى النهاية، أم أننا « نتوه» عندما تتسع دائرة الاهتمام بحدث ونغير فكرتنا وأفكارنا على حسب ما تقدمه البيئة المحيطة لنا من متغيرات.. فنقرر شيئا فى أسبوع ونلغيه فى الأسبوع التالى.. بينما يكون القرار واحدا ونحن رهبان فى صومعة كأس الأمم نفصل فيها أنفسنا عن البيئة المحيطة، ونضع المنتخب تحت أعيننا وتحت الحصار حتى لا يصاب بأنفلونزا كراهية كأس العالم فيكره كأس الأمم أيضا..

لماذا لا تكون الحقوق والواجبات واضحة ومحددة ودائمة للاعب والمدرب فلا يضطر حسن شحاتة أن يكشف مؤخرا عن المعايير الدينية فى اختياراته للاعبين ليفضل من تثبت علاقته الطيبة مع الله على آخر علاقته متميزة مع كرة القدم.. لماذا نشترط أن يكون فريقنا مجموعة من الملائكة لكى يصنع فوزا أو لقبا ونحن نرى فرقا أخرى تفوز بلا ملائكة تحكمها معايير الاحترافية وهى أن يعرف اللاعب حقوقه وواجباته فى المعسكر والملعب ولا يخطئ أو يتجاوز بما يضر بالفريق.. هذا الفارق بيننا وبين غيرنا هو الذى يجعلنا حالة خاصة دائما.. لابد أن تكون هناك حالة خاصة لكى ننجح وننجز ونحن بمقدورنا الأسهل أن نجعل هذه الحالة الخاصة قانونا أو عرفا أو لائحة فى حياتنا بحيث تتحول إلى حالة عامة أو حزمة مبادئ تتوارثها الأجيال لا ترتبط بزمن ما أو مكان محدد..

والحديث عن الحب المتبادل مع كأس الأمم لا يعنى الجزم بالفوز بلقبها للمرة السابعة رغم الصورة المعدلة للمنتخب التى فاجأت الجميع.. فربما يأخذنا الحنين إلى الفصول الباردة التى خيبت آمالنا فى تصفيات كأس العالم، وهذا مرتبط بدرجة السيطرة على الحالة الخاصة التى يعيشها الفريق مع كل بطولة لكأس الأمم..

والمؤكد أن من يقرأ هذا المقال سوف يسأل بكثير من اليأس: طيب ماذا نفعل إذن لكى لا تعتمد حياتنا على الاستثناءات والحالات الخاصة وشيوع ظاهرة الشىء ونقيضه والافتقار إلى القدرة على تحديد أى معالم رئيسية للمستقبل حتى لو كان غدا أو الأسبوع القادم؟
وأنا أعترف بعدم قدرتى على الاجابة لأن المتخصصين فى ذلك لا يستطيعون أيضا الإجابة وهم يرون زواجا كاثوليكيا بين اتحاد كرة فاسد ومنتخب يحاول ألا يفسد، وثمرة هذا الزواج حالات خاصة من النجاح تدارى حالات عامة من الفشل، ولو «استقام» الزواج ربما تطيب الثمار أكثر.. لكن أين هم القادرون الراغبون فى أن تستقيم المعادلة؟









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة