غضب بعض زملائى عندما قلت لهم أننا كصحفيين نبيع سلعة لزبون هو القارئ، أى أننا نبيع الأخبار والحوارات والتحقيقات والرأى وغيرها من فنون مهنتنا.
كنا فى سهرة على هواء قناة النيل الثقافية، وكانت ردود الفعل عنيفة، إلى حد أن أحد الزملاء الأعزاء حرض الموجودين علناً على منعى من الكلام.. وكانت خلاصة رأى المعترضين أنى أهين المهنة، فنحن أصحاب رسالة، وأن دورنا هو الارتقاء بوعى الجماهير وتوجيهها، وأن نكون وسيطاً بينهم وبين صُناع القرار، يعنى الحكومة.
لا اعتراض أن يكون للصحفى موقف، بل هو ضرورة، ولكن حتى هذا الموقف أو ما يسميه زملائى رسالة، نحن فى النهاية نبيعها له فى جريدة يدفع ثمنها، أو نعطيها له مجاناً فى موقع إلكترونى أو قناة فضائية أو إذاعية، ولكن إذا لم يشاهدها أو يسمعها لن تكون هناك نسبة مشاهدة ومن ثم إعلانات تمول المؤسسات الإعلامية، أى أننا كصحفيين لا نستطيع إجبار الزبون على شراء بضاعتنا.
ناهيك عن أنه انتهى الزمن الذى كانت السلطة الحاكمة أو أى سلطة تحتكر الإعلام، وتعتبره نشرات دعائية لأمجادها ورسالتها، أى أن الزبون المواطن هنا مفعول به، وهنا ليس مهماً أن تحقق الوسيلة الإعلامية أى نجاح، وليس مهماً أن تعجب الزبون، فهو مسكين ليس أمامه غيرها، ولكن أن يرضى عنها من يتحكم فيها.
الآن الوسائط الإعلامية لا نهائية، فرصة الاختيار لا نهائية، أى لم يعد الزبون مفعولاً به، بل وأصبح شريكاَ فى صناعة الرسالة الإعلامية، فمن خلال التكنولوجيا الحديثة يكتب رأيه مباشرة على المواقع الإلكترونية، ويملك مدونة على الإنترنت ينشر فيها ما يشاء من رأى وصور وفيديو وغيرهما.
ناهيك عن تحفظى على التعالى، وكأننا معشر الصحفيين أفضل من خلق الله وأوصياء عليهم، وكأن مهنتنا أرقى من المهن الأخرى.. والحقيقة أن هذه أساطير لا تليق أن نروجها عن أنفسنا، فعملنا لا يزيد عن عمل الآخرين، العامل والمهندس والفلاح وغيرهم.
الفرق بين أى إنسان وغيره من الناس، ليس المهنة التى يعمل بها، بل بمدى إتقانه لها، ومن ثم خدمة جيدة الزبون، أى الناس.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة