حمدى رزق

اكتتبوا .. يرحمگم الله!

الأربعاء، 16 سبتمبر 2009 10:45 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هل يذكر أحدنا اليوم، ما كان قبل حوالى تسعين عاما حين اكتتب المصريون ليؤسسوا أول بنك لهم، يحمل صبغة وطنية خالصة باسم «بنك مصر»؟ كان وراء المشروع أول رأسمالى مصرى وطنى وهو العملاق الراحل طلعت حرب، وكانت البنوك غارقة حتى آخر جنيه فى خزائنها فى بحر النفوذ الأجنبى، يتحكم فى أرزاق المصريين وأموالهم ويخرب البيوت إن شاء، حتى استرد المصرى مقدراته المالية والاقتصادية، بالاكتتاب.

وإذا لم تتذكر الأجيال الحاضرة هذه الصفحة الاقتصادية الوطنية المشرقة، فهل من المعقول أن ينسوا ما يشاهدونه اليوم بين أيديهم، وهو مشروع مستشفى سرطان الأطفال؟ إنه قد بنى وجلبت أجهزته وأثاثه ومعظم تجهيزاته بالتمويل الذاتى وتبرعات مصريين شرفاء، أدركوا أن عمل الخير يجب أن ينبع من نفوس نقية، نفوس لا تهدف للربح.

وآه من الربح والتربح والمتربحين..!
نحن طبعا لا نحرم الربح، ما نحن بفقهاء نحلل ونحرم، كما أننا لا نرفضه فما نحن بحاسدين أو حاقدين، ولا كنا يوما من أعداء (الاقتصاد الحر)، لكننا نحكى عن هؤلاء الذين يطلبون الربح من أى مكان وفى أى زمان وعلى حساب أية قيمة، وأية معانٍ وطنية كبيرة، لا يفهمون سوى لغة المال وإن أحصوا فلا يعرفون سوى إحصاء المال، بالعملات السهلة والصعبة، وفى المنحنيات الوطنية الخطيرة، تجد هؤلاء فى انتظارك، ينهبون حساباتك، ويهدمون أحلامك، وويل للحالمين فى هذه الأيام إن هم تعارضت أحلامهم وأحلام الأفيال، فالأفيال ثقيلة الوطأة، أقدامها تدوس وتفرم، الأفيال غبية، تدوس ولا ترى ولا يطرف لها جفن..!

يتغول بعض رجال الأعمال، صحيح إن لديهم دورا كبيرا فى اقتصاد هذا البلد الأمين، دورا للبناء إلى جانب دور الدولة المصرية، التى لا تفتأ تذكرهم بأنها موجودة وتراقب الأمور عن كثب، وأن الحكاية ليست (سداح مداح) كالذى كتب عنه الراحل العظيم أحمد بهاء الدين فى السبعينيات، لكن أحلامهم تأخذهم بعيدا عن جادة الصواب أحيانا، فيظن بعضهم أنه يمكن أن يشترى أبو الهول، وربما إن لم يتمكن لأخذ حق الانتفاع به 99 عاما، فقط على الدولة أن تطرحه للبيع والشراء أو الانتفاع..!

من هنا طمع الطامعون فى (الضبعة) تلك البقعة النائية التى تحولت بقدرة قادر إلى أهم منطقة سياحية فى مصر المحروسة، ربما تكون إمكاناتها السياحية واعدة بالفعل، ولكن هل هذه آخر رقعة سياحية جاذبة فى مصر؟ لم نسمع بجاذبية الضبعة إلا هذه الأيام، بعد أن تقرر أن تصبح مركزا لأهم حلم مصرى: الحلم النووى.

نعم إنه حلم، المشروع النووى حلمنا جميعا، سيكون الوقود الرئيسى لتنمية شاملة لمصر، نحلم بها جميعا وتنوء بها أكتاف الطاقة المصرية فى حدودها الراهنة، أى أن المشروع النووى سيتحول إلى مدارس ومستشفيات ومصانع ومساحات جديدة مزروعة بالخير فى الأرض المصرية، سيتحول إلى (سد عالى) جديد فى أثره على الحياة المصرية.

أليس هذا هو حلمنا جميعا؟
إذن لماذا لا ندافع عن هذا الحلم ونعض عليه بالنواجذ؟
المشروع النووى فى الضبعة صار هدفا استثماريا، يريد بعضهم أن يجنى منه المليارات من الدولارات، وأن تضيع على أجيال من المصريين اليوم وفى المستقبل، فرصة للتنمية المنشودة، ولدخول عصر من التكنولوجيا العالية، التى سوف تنتقل من هذا المشروع إلى كل مشروعاتنا الصناعية، التكنولوجيا التى سيتدرب عليها المصريون من خلال محطة الضبعة.
الضبعة حلمنا، وقد ثبت لنا من دروس التاريخ القريب والبعيد أن الاكتتاب هو الذى يؤمن للمشروعات الكبرى وللأحلام الوطنية طريق التحقق، الاكتتاب هو الحل لمواجهة تغول رجال أعمال باتت أحلامهم تتعارض والحلم الوطنى العام.

لو اكتتبنا فسوف نحقق ما كان لنا من تأسيس اقتصاد وطنى قبل 90 عاما، ولو اكتتبنا فسوف يكون لدينا صرح جديد كمستشفى الأطفال، لكنه هذه المرة صرح نووى، يحقق لنا اليوم وغدا أحلاما وأحلاما تخرج من رحم هذا الحلم الكبير.

وربما يقول قائل إن الاكتتاب وجمع المال من الشعب لبناء هذه المحطة وتجهيزها، قد يعنى ضمنا تراجعا عن دور الدولة فيه، خصوصا أن المشروع ليس حلما أهليا فقط بل رسميا أيضا، لكن الحقيقة هى العكس، إن الاكتتاب الشعبى على مشروع الضبعة هو درع وطنى كبير، يعضد المشروع ويدعمه، ويكشف للجميع أن المصريين وإن كانوا يساندون الاستثمار، ويعمل كثير منهم فى القطاع الخاص، إلا أنهم فى المنعطفات الوطنية المهمة، التى تتطلب (أحلاما عامة) يستفيد منها الجميع ولا يفتشون فيه.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة