قامت أطروحتى للدكتوراه على نفى مقولة إن لليهود شخصية قومية ثابتة، وبنفس العيار يستحيل الحديث عن شخصية إسلامية ومسيحية.. فالتشابه فى العادات والتقاليد والقيم واتجاهات الرأى العام وما إلى ذلك، إنما هى جميعا أمور يكتسبها المرء من بيئته الاجتماعية عبر ما يعرف بعملية التنشئة.
اليهود إذن – شأنهم شأن البشر جميعا- يتباينون فى شخصياتهم وقراءتهم لعقيدتهم، فمنهم العلمانى والمتدين، والمتطرف والمتشدد والوسطى، ومنهم المحارب والمسالم، والصهيونى والمعادى للصهيونية.
إن أحدا لا يستطيع أن يضع جميع من ينتسبون لدين معين فى سلة سلوكية واحدة، حتى لو كان هذا الدين هو الدين اليهودى.
إن أحدا لا يستطيع أن يضع باروخ جولد شتاين صاحب مذبحة الحرم الإبراهيمى عام 1994 فى سلة واحدة مع ريتشل كورى اليهودية الأمريكية التى سحقتها الجرافات الإسرائيلية عام 2003، وهى تعترض على هدم البيوت الفلسطينية. ولا نضعه مع تالى فحيمة اليهودية الإسرائيلية عضو حزب الليكود السابقة التى اعتقلت بتهمة التعاون مع كتائب الأقصى عام 2004، بل هل يمكن أن نضع ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلى الحالى مع البروفيسور يورى دافيس عضو المجلس الثورى لحركة فتح، اليهودى الذى ولد فى فلسطين عام 1943 الذى يقول إنه تعلم من والديه درسا فى غاية الأهمية، وهو أن الذين قتلوا عائلته ليسوا الألمان، ولكن حفنة من النازيين، ورفضت والدته فكرة الانتقام ولكنها كانت تطالب بالعدالة.
يورى الإسرائيلى انضم إلى حركة فتح عام 1984 وعمل مستشارا للرئيس عرفات وانتقل للمعيشة فى رام الله وتزوج من فلسطينية ويندد دائما بالدولة اليهودية ويصفها بأنها دولة فصل عنصرى، داعيا إلى مقاطعة مؤسساتها، ومطالبا بدولة ديمقراطية مشتركة مع الفلسطينيين. ومؤخرا حصل على المرتبة 31 من بين 600 مرشح فى انتخابات فتح.
والأمر لا يقتصر على نماذج فردية، بل ثمة جماعات يهودية كاملة ترفض الصهيونية من منطلقات يهودية مثل "جماعة الناطوراه كارتا" و"المجلس الأمريكى اليهودى.
خلاصة القول أن اليهود ليسوا استثناء من القوانين العلمية التى يخضع لها البشر جميعا، وعلى رأسها أن "الشخصية القومية" لا تورث عبر الجينات، ولا ترتبط بالانتماء الدينى.
نقلا عن مقالة الدكتور قدرى حفنى من ملف يهود ومصريون فى العدد الأخير من مجلة المصور.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة