ما زلت أذكر هذا اليوم وكأنه وقع بالأمس، ذهبت أنا وناصر عراق ومحمد القدوسى لمقابلة الأستاذ مصطفى أمين، وحجتنا الكبيرة أننا أصحاب مجلة "أوراق" التى أنفقنا عليها كل مصروفنا، ونحن تلاميذ فى أولى جامعة، كان الرجل بسيطا وعظيما، تعامل معنا على أننا صحفيون مثله، بل وأصحاب مشروع صحفى يمكن أن يكون عملاقا.
كنا قد قرأنا عن أحلام مصطفى وأخيه على أمين التى حولاها إلى مؤسسة صحفية كبرى، بدأت بالمجلة التى كانا يحررانها فى بيتهما على ورق كانا يسميانه وقتها "بالوظة"، مرورا بعملهما فى عدة صحف، حتى تمكنا فى النهاية من تحقيق أحلامهما.
كان هذا النموذج يرفرف فى قلوبنا، لدرجة أننى وقفت أمام المبنى المهيب لأخبار اليوم وقلبى يرتجف، وكان يزداد خفقانه، كلما اقترب موعد لقائنا بالصحفى الجبار.. وخرجت من عنده أنا ومحمد وناصر ولدينا يقين غريب بأننا سوف يكون لدينا مثل مؤسسة مصطفى أمين، كل ما فى الأمر إصرار ودأب وحب لهذه المهنة النبيلة، فهذا هو ما حدث مع الأستاذ الكبير، الذى تعرض لأهوال وأهوال، لدرجة اتهامه بالجاسوسية، ناهيك عن السجن والتشريد وغيرها وغيرها.
السياسة والانحياز الأيديولوجى الأعمى ظلما الأخوين وخاصة مصطفى، بل أعترف أن الأيديولوجيا أفسدت محبتى لهما، ولكن التوغل فى مهنة الصحافة على امتداد سنوات طويلة، أزاح هذا الغباء، وأعادهما إلى مكانتهما الرفيعة فى قلبى.
الحقيقة أن قيمة الأستاذ الكبير مصطفى أمين ليست فقط فى تأسيسه لمؤسسة من أهم المؤسسات الصحفية فى عالمنا العربى، ولكن لأنه أيضا صاحب مدرسة صحفية بجد، لها أسلوبها وطريقتها وتلامذتها، ولعل الفضل يعود للزميل العزيز علاء عبد الهادى فى كشف هذا الجانب، بعد أن نشر فى كتابه "كنوز صحفية" محاضر مجلس التحرير، التى تكشف كم كان هذا الرجل صحفيا عظيما.
صحيح أن الأصدقاء الثلاثة الصغار، سعيد وناصر ومحمد، لم يحققا حلمهما فى تأسيس مؤسسة صحفية، ولكن استطاع كل منهم انتزاع مكانة مرضية فى هذه المهنة الصعبة، فناصر أصبح مدير تحرير لامع لمجلة ناجحة هى دبى الثقافية، ومحمد تولى العديد من المواقع فى صحف مهمة، بما فيها رئاسة التحرير، وواحد من الكُتاب اللامعين بجريدة الدستور.
ومن المؤكد أن اللقاء مع الأستاذ كان سببا رئيسا، فقد جعلنا نصدق أحلامنا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة