ليسمح لى القارئ الكريم بأن أزعجه مرة أخرى واستكمل ما كتبته أمس بعنوان "خرافات مصطفى الفقى"، والسبب هو ما كتبه الأستاذ رامى فى تعليقه. فالحقيقة أن رأيه يعبر عن قطاع مهم يخاف على البلد، ليس فقط داخل النخبة الحاكمة، ولكن أيضا فى أوساط النخبة السياسية والمثقفة كلها، وهو رأى أحترمه وأدعو لمناقشته. فهو يستند إلى أن السلطة الحاكمة منذ عقود احتكرت السياسة والإعلام وكل شىء، وبالتالى، حسب رأى الأستاذ رامى، تم تخريب المصريين، وبناء عليه لم يعد لديهم قدرة على الاختيار، ولذلك سيختارون بإرادتهم الحرة ما وصفهم بـ"التتار".
هذه مقدمات صحيحة، ولكن نتائجها فى ظنى غير صحيحة، وهذه هى أسبابى:
1- الاحتجاجات المنتشرة من أسوان وإسكندرية تعطينا مؤشرات مهمة، أولها أن أصحابها يرفضون رفضا قاطعا أن يركب على أكتافهم هذا التيار أو ذاك، بما فيهم الحزب الحاكم، فلهم مطالب محددة يريدون التفاوض لتحقيقها. وحتى عندما يكون بينهم سياسيون بحكم وظيفتهم، مثل الأستاذ كمال أبو عيطة الناصرى من موظفى الضرائب العقارية، لا ينحرفون عن مسارهم، إلا فيما ندر.
2- ناهيك عن تحضر المصريين فى ممارسة الاحتجاجات، منها إضراب العاملين فى هيئة النقل العام، فلم يحدث أى تخريب. وهنا لابد من الإشادة بالسلطة الحاكمة، التى تخلت عن العنف، أضف على ذلك تحضر أجهزة الأمن التى تحمى المحتجين. وهذا يعنى أن قطاعا كبيرا من المصريين يمارسون حقهم الديمقراطى باحترام، ومعناه أيضا أنهم يخافون على البلد من التخريب والفوضى.
3- وسوف أدلل للأستاذ رامى، بأن القمع يزرع التطرف، فالسلطة الحاكمة خوفا من "التتار" استولت على العديد من النقابات بالحراسة، منها المحامين والمهندسين، بل وكادت أن تفعلها مع الصحفيين، فماذا كانت النتيجة ؟
أولا: حرمان فئات المجتمع من وسيلة علنية وديمقراطية للدفاع عن مصالحهم، والحل أمامهم سيكون وسائل غير معلنة. ناهيك عن أنه يمنح "التتار" مصداقية شعبية، فالسلطة الغاشمة تقمعهم وتسجنهم.
ثانيا: حرمان البلد من الطاقة الإيجابية لـ"التتار" فى عمل مدنى ديمقراطى علنى يطور أداءهم.
ثالثا: هؤلاء "التتار"، وأنا متحفظ على التعبير، اكتسحوا انتخابات، على سبيل المثال، القضاة والصحفيين والمحامين، وتعرضوا لهزيمة كبيرة. صحيح أن السلطة الحاكمة تدخلت بما يمكن أن نسميه رشاوى انتخابية، ولكن هذه الرشاوى لم تفلح من قبل، أى أن الأصل هو أنها استفادت من عزوف الناخبين عن هذه التيارات.
إذن الدرس المستفاد فى تقديرى، وأرجو أن يوافقنى الأستاذ رامى، هو أن القمع والاستبداد مدمر، والطريقة الوحيدة لإصلاح الديمقراطية هى الديمقراطية.
موضوعات متعلقة:
خرافات مصطفى الفقى
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة