منذ بداية صيف هذا العام ظهرت فى أماكن متفرقة فى مارينا بالساحل الشمالى حملة «ريممبر الله» أى تذكر الله. لافتات متتالية على أعمدة الكهرباء (فى مواقع الإعلانات المدفوعة الثمن) كُتب عليها بالإنجليزية «تذكر الله»، «تذكر.. إنه دائماً يراقبك»، «تذكر.. قد تقابله الآن»، «تذكر.. إن أبوابه مفتوحة دائماً». لاحظت اللافتات لأول مرة قبل صلاة الجمعة وكنت وسط مصيفين مصريين، سيدات ورجال أعمارهم متفاوتة يقفون متفرقين فى انتظار الفول والطعمية والزلابية وعيش الفرن الساخن.. الإفطار التقليدى للمصيف عندنا فى مصر. تبادر إلى ذهنى تساؤل: لماذا بالإنجليزية؟ لم أتوقف طويلاً عند هذا التساؤل، ربما فى محاولة متعمدة لتبلّد ذهنى.. لزوم يومين الإجازة. بعد لحظات فقط انطلق صوت جهورى وكأنه يُصر أن يقطع إجازتى الذهنية، شاب خارج من سوبر ماركت لتوصيل بعض الطلبات فيما يبدو، ينادى مبتسماً على زميله بأنبى الألفاظ المؤذية، يا.. يا ابن.. ما انت أصلك... (هزار!) حتى أن بعض الواقفين، خاصة من السيدات، بدأوا يتأففن ويتلفتن. خشيت بصراحة أن ينالنى أى من هذه الألفاظ من باب الهزار، فلم أحاول سؤاله وطلبت من شخص أعرفه أن يسأل خفيف الظل سريعاً إن كان قد قرأ اللافتات، والرد: «يعنى باين علىّ علام (تعليم) انجليزى يا باشا؟» الحملة إذاً انتقائية فى جمهورها المتلقى. تركت الأمر للأسابيع اللاحقة فسمعت تعليقات مختلفة على حملة ريممبر، لم ترتق إلى جدل كبير ولكنها حفزّت أفكارا مختلفة لدى مَن لاحظها. الأمر، كما فى أى حملة، متعلق بالرسالة الموَجّهة، فالجمهور المستهدف، فاللغة والأسلوب. اجتمع كل من علق طبعاً على استحسان جوهر الرسالة، فكل ما يُذَكِّر بالله سبحانه وتعالى جميل ورائع فى كل مكان، إلا أن البعض فضّل نوعية اللافتات التى يَُكتب عليها لفظ الجلالة وحده أو أسماء الله الحسنى بالتتابع فتجعل قارءها يرددها تلقائياً ويتذكر الله تعالى تذكراً مجرداً دون إضافة أى فكرة أو رسالة منتقاة. أما اللغة الإنجليزية فقد كانت محل إجماع للتساؤل. إن كانت الإعلانات أو بالأحرى لافتات التوعية «ريممبر» نبيلة ورائعة فى هدفها ونية مَن أطلقها (وهو لم يُعلن عن نفسه) فهل يستهدف العشرة أو عشرين أو حتى ثلاثين أجنبيا الذين يدخلون مارينا؟ هذا مستبعد.
نحن هنا نتحدث عن «تذكر الله» مُهداة لكل مصرى، لا عن إعلان لسلعة استهلاكية يستهدف طبقة معينة. إذاً يبقى احتمالان، الأول أن يكون المُستهدَف هو كل روّاد مارينا على أنهم وفقاً للصورة النمطية، أولاد ذوات تلقوا تعليماً أجنبياً كفيلاً بطردهم من صلب المجتمع المصرى العربى فيجب مخاطبتهم باللغة الأجنبية، وهذه صورة يسهل لأى منا أن يتبين خطأها بالعين المجردة، فالأغلبية العظمى من المصيفين بمارينا وغيرها مصريون جملة وتفصيلاً بغض النظر عن تصنيفهم التعليمى أو الطبقى. سواء صحت أو خابت هذه النظرة فقد استفزت الإنجليزية البعض الذى شعر باستقصاء إجبارى من مجتمعه وسمعت: «مين قال إن احنا مابنعرفش نقرا عربى؟» إذاً، من يقرأ الإنجليزية قد يشعر بالاستقصاء ومن لا يقرأها قد استُقصى بالفعل فهو غير مُستهدف أصلاً.
أما الاحتمال الثانى، وأتمنى أن يكون الأرجح حتى نبعد عن أى تصنيف طبقى فى مثل هذه الحملة، هو أن يكون مَن أطلقها أراد التجديد فقط من باب التجديد دون أى أساس آخر. فى هذه الحالة يبقى التساؤل: لماذا نتخلى فى بلد عربى عن جماليات وروعة لغة الضاد فى حين أن لفظ الجلالة مكتوب بالعربية كان عبر العصور الإسلامية ولايزال مصدراً للإبداع الفنى فى الخط العربى؟ أخشى أن تُطرح علينا يوماً الآيات القرآنية بالحروف اللاتينية.
الأهم هو أنه مع اقتراب شهر رمضان الكريم، وكما هو متوقع أن تظهر الحجة الجاهزة، ألا يعمل الموظف لأنه صائم، وألا يصبر السائق لأنه صائم، وألا يتوقف البعض عن النهر والعصبية لأنه أيضاً صائم، أتمنى أن تظهر «تذكر الله» بالعربية لنتذكر الخالق فى أفعالنا وأقوالنا فى المجمع والمصالح الحكومية والشركات وميدان التحرير والمحور والدائرى و.. كل عام وأنتم بخير.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة