المواطنة قضية اعتبرها العلمانيون وترا حساسا تعودوا الضرب عليه، وذلك من أجل "هز" صورة مشروع الدولة المدنية الإسلامية. بل تم استخدام هذه القضية كفزاعة لإخواننا الأقباط لتخويفهم من هذا المشروع، ولعل خير دليل على ضراوة هذه الحملة التى يشنها العلمانيون ما قام به القمنى وشريف حافظ والناشط القبطى نجيب جبرائيل من إطلاق سلسلة من الافتراءات فى الفضائيات وبعض الصحف على موقف الإسلام من هذه القضية..
كما تأتى ضمن هذه الحملة التساؤلات التى أطلقها الكاتب العلمانى سعيد شعيب فى مقاله "دولة هانى الطائفية" على موقع اليوم السابع، ووضع على رأسها قضية المواطنة فى التصور الإسلامى. ومما لاشك فيه أن إشكالية المواطنة عالجها فقهاء المسلمين، حيث ذهب فقهاء المذاهب المختلفة جميعا، إلى أن غير المسلمين فى المجتمع الإسلامى، والذين يصفون فى الاصطلاح الفقهى بـ"أهل الذمة" يعدُّون من "أهل دار الإسلام"، فهم شركاء فى الوطن وإن لم يكونوا من "أهل الملَّة"..
ويقول الدكتور القرضاوى عن هذه القضية "فى اجتهادى: أن كلمة أهل الدار هذه تمثِّل مفتاحا لمشكلة المواطنة، لأن معنى أنهم "أهل الدار" أنهم ليسوا غرباء ولا أجانب، لأنها حقيقة معناها: أنهم أهل الوطن، وهل الوطن إلا الدار أو الديار؟ ،وإذا ثبت أنهم أهل الوطن، فهم (مواطنون) كغيرهم من شركائهم من المسلمين، وبهذا تحلُّ هذه الإشكالية من داخل الفقه الإسلامى، دون الحاجة إلى استيراد مفهوم المواطنة من سوق الفكر الغربى".وبذلك يتضح الموقف الفقهى من هذه القضية، فشركاء الوطن من أهل الديانات الأخرى لهم نفس حقوق المسلمين وعليهم نفس الواجبات.
كما نجد أن بعض العلمانيين يحاولون استغلال لفظ "أهل الذمة" ويقيمون عليه محافل كلامية لا تستهدف إلا تضليل الرأى العام، ولكن أرد عليهم بكلمات أيضا للعلامة يوسف القرضاوى قطع بها الطريق على "مطبلى" العلمانية فى هذه القضية، حيث قال: "ولا بد من حذف كلمات ومصطلحات تاريخية من قاموس التعامل المعاصر، مثل كلمة (ذمَّة) و(أهل ذمَّة) التى لم يعُد يقبلها غير المسلمين. فلم يتعبَّدنا الله بهذه الكلمات، وقد حذف عمر ما هو أهم منها، حين اقتضت المصلحة العليا ذلك، فحذف كلمة (جزية) حين طلب منه ذلك نصارى بنى تغلب، وقالوا: إننا قوم عرب، ونأنف من كلمة (جزية)، ونريد أن نأخذ ما تأخذ منا باسم (الصدقة) ورضى منهم ذلك، معتبرا أن العبرة بالمسمَّيات والمضامين، لا بالأسماء والعناوين"..
وبذلك نقول للجميع إن المشروع المدنى الإسلامى لن يقف عند مسميات ومفاهيم ضيقة، ولكن هو أكثر مرونة واستيعابا لجميع أبناء الوطن الواحد مهما اختلفت عقائدهم، كما أن الجزية كانت مرتبطة بإعفاء أهل الأديان الأخرى من الخدمة العسكرية وبعض مجتهدى الفقهاء يجدون أن مشاركة شركاء الوطن فى الجيش ترفع عنهم شرط الجزية.
كما نجد أن وثيقة المدينة التى أعلنها الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم منذ تأسيس دولته فى المدينة خير دليل على استيعاب أهل الملل الأخرى ودمجهم فى المجتمع كمواطنين فى الدولة المدنية الإسلامية، بل ما طبقه الخلفاء الراشدون من مبدأ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص بين المسلمين وغيرهم من أبناء وطنهم دليل آخر واضح على تعميق مبدأ المواطنة.
كما لابد أن يعلم العلمانيون أن معظم الفقهاء أقروا أن لشركاء الوطن حق تولى كل المناصب فى الدولة، ولعل تاريخ خلفاء المسلمين يشهد بذلك، لكن فيما عدا الولاية الكبرى لأن هناك نصوص حاكمة للأمر، وهنا نجد الخلاف، ولكن أطرح سؤالا منطقيا على دعاة الحرية: هل من المنطق أن يكون مجتمع فيه أغلبية مسلمة يحكمه شخص من ديانة أخرى؟ وهل يقبل دعاة التحضر من أبناء الغرب أن يحكمهم مسلم فى مجتمعاتهم؟ بالطبع الإجابة واضحة للجميع فالغرب مبتدع العلمانية ورافع راية التحضر ضاق ذرعا بمظاهر الشعائر الإسلامية، ولعل مقتل مروة الشربينى وقانون الحجاب بفرنسا واضطهاد المسلمين بالغرب دليل على أنهم لم ولن يرضوا أن يحكمهم مسلم، فلماذا كل هذه الضجة المفتعلة..
أولى بالعلمانيين أن يطالبوا الغرب الذى رباهم أن يطبق مبدأ المواطنة ويرضى بدمج المسلمين بمجتمعاتهم ولا يعاملهم على أنهم مواطنون من الدرجة العشرين، لا أن يلقوا الكرة بملعبنا، رغم أن المباراة حسمت نتيجتها من قرون مضت.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة