الحكومة "صعبان عليها" ترك المؤسسات الصحفية "القومية" تدير نفسها بنفسها، ووجدت لها باباً خلفيا لكى تمولها، فأجبرت وزارة التعليم على طبع الكتب الدراسية فى مطابع هذه المؤسسات، دون احترام للقانون الذى ينص فى هذه الحالات على أن تختار وزارة التعليم بين عروض مختلف المؤسسات، قطاع خاص أو عام، وتختار الوزارة من بينها الأفضل والأرخص بما يحقق الصالح العام ويوفر أموال دافعى الضرائب.
ولو حدث هذا الإجبار فى بلاد ديمقراطية محترمة "لقامت الدنيا ومقعدتش"، لأنه إهدار للمال العام، ولعلك تتذكر عندما كشفت صحيفة الديلى تلجراف أن بعض نواب البرلمان ينفقون مخصصاتهم فى غير المخصص لها، "انهدت الدنيا" وتنحى رئيس البرلمان مايكل مارتن.
للأسف عندنا الأمر مختلف، فالمسئولون الكبار يتعاملون مع ميزانية الدولة، أى أموال المصريين باستهتار شديد، وكأنها ملكهم، فكبار المسئولين كانوا يؤكدون أنه حان الوقت لفطام هذه المؤسسات القومية، فلابد من اعتمادها على نفسها وإعادة هيكلتها بما يحقق لها الاكتفاء الذاتى، وبما يؤدى إلى محاسبة أى مسئول فيها إذا أخطأ وإثابته إذا أجاد، ولكن "عادت ريما إلى عادتها القديمة"، وانتهى الأمر بتمويل الحكومة لهذه المؤسسات من جيوب المصريين مرة أخرى.
المشكلة هى أن هذه المؤسسات الصحفية، المفترض أنها ملك لكل المصريين، ولكن واقع الحال أنها لا تعبر عن الدولة المصرية بشكل كافٍ، أى عن كل التيارات وكل الأفكار وكل التنظيمات، ولكنها فى حقيقة الأمر مشغولة أولاً بالدفاع عن السلطة الحاكمة، ومن ثم فالذى عليه أن يدفع التكاليف الباهظة لاستمرارها هو الحزب الحاكم، مثله مثل باقى الأحزاب التى تمول صحفها.
والحل أن تترك السلطة الحاكمة هذه المؤسسات لشأنها، لتدير نفسها بنفسها من خلال جمعياتها العمومية، وتختار رسالتها التحريرية التى تمكنها من المنافسة فى سوق الصحافة والإعلان، وبالطبع تحت عين أجهزة الرقابية، ولكن السلطة لن تفعل، ولن تطرحها للبيع أو حتى جزء منها، ولن يدفع أثرياؤها تكلفة استمرار هذه المؤسسات، أى أنها ستظل تحتكرها وسنظل نحن ندفع من ضرائبنا، إلى أن يقضى الله أمراً كان مفعولاً.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة