الحب هو انفعال وجدانى وإدراك عقلانى ينفجر فى أعماق الإنسان فيكون هو الزلزال الذى يعيد ترتيب البناء الداخلى للإنسان . فهو نهر تمتزج فيه العاطفة والعقل ويؤدى إلى يقين جديد وشديد، ويؤدى إلى مواقف حياتية أو عقائدية جوهرية. ولقوه هذا الشعور وأثره على نفس الإنسان وقدرته على جلاء البصيرة أو تلوينها أو حتى طمسها، فقد قال الإمام الغزالى، رضى الله عنه، إن القلب وهو موطن الشعور هو الحاكم الحقيقى للإنسان، أو هو السلطان الذى يملى على الإنسان سلوكه. إذا كان غذاء هذا السلطان حسى صرف ومادى أصم فهذا قلب بلا حياة حقيقية، لأنه ارتبط بالمحدود الذى يثقل البدن ويكبل الروح ويحرم العين من النظر إلى السماء. وقديما قالوا قل لى من يجلس على عرش قلبك أخبرك بمن تكون.
وهذا القلب يحدد أو يقرر صلاح أو اعوجاج صاحبه. لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن فى الجسم مضغة إن صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسد الجسد كله إلا وهى القلب. فاعوجاج القلب أى حبه للفساد بكل صوره يؤدى إلى اعوجاج الأعضاء والخطوات والاتجاهات وتطفأ البصيرة ثم تطمس ثم تسود ويختفى منها النور ويصير الإنسان أعمى وقد كان بصيرا. ويبحث أهل الاعوجاج والعمى عن بعض ويتقابلون ووسط الظلام وبالظلام يتم كل ما هو خطاء وأنانى ومدمر. يخلقون مجتمعا خاصا بهم أشجاره من الشوك وطيوره من الغربان ورائحته رائحة القبور الملعونة وحفيف شجرة حشرجة. حيث تسيطر الغربان تختفى البلابل أو تتوارى فأكلهما مختلف وسلوكهما مختلف وواحد يشدو والآخر ينعق. وشتان بين الاثنين. هل يسوى أهل النور وأهل الظلام؟
لقد قال القدامى "خالف هواك تجد مولاك" فالإنسان إذا حرر نفسه من شرنقة الأنانية وقطع جدارها وانطلق إلى النور امتلأ قلبه وعقله بالنور وسرت فى أوصاله أنهار الغبطة والسرور.فالأنانية سجن مظلم خادع يجعل الإنسان يظن أنه سعيد ولكنه عكس ذلك. ففى حياة الآخرين حياه الإنسان فالذى يبعث الحياة فى إنسان آخر فهو فى الحقيقة قد بعث الحياة فى كيانه، ولذلك قال رسول الله عليه الصلاه والسلام إن البر يطيل الأجل وسواء، كانت الإطالة معنوية أو فعلية فالنهاية واحدة, لقد صنع خيرا والخير يؤدى إلى الخير و يزيد الخير الذى فى اليد ويخلق الحب فى قلوب الآخرين له. سأل رجل الإمام الحسن بن الامام على رضى الله عنهما "لماذا لا ترد سائلا؟" فقال الإمام الحسن رضى الله عنه :"إنى أستحى أن أكون سائلا( من الله) و أرد سائلا." و الذى ينفق على الآخرين ينفق الله عليه وذلك بالبركة فى الرزق وزيادته و]فتح له أبوابا أخرى ومتنوعة من العمل وحتى من الرزق الباطنى النورانى الذى لا يبلى والذى يدخل السعادة الدائمة فى القلب.
ومن الأهمية بمكان الاستمرار فى العطاء حتى و إن قل فالاستمرار أفضل من القطع أو المنع، لأن العطاء صفة ربانية صفة من صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالعطاء ذكر لله وحب فيه وله يربط أولا القلوب بالعاطى المقدس وهو الله وبالعبد الذى اتصف بصفة العطاء. فأولا وأخيرا الكون كله عطاء من الله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة