تخيل معى المشهد:
فتاة تضع باروكة فوق حجابها حتى تستطيع دخول جامعتها، وبمجرد أن تخرج إلى الشارع، تضعها فى شنطتها، حتى تلبسها مرة أخرى فى اليوم التالى. هذه الفتاة ليست حالة استثنائية، ولكنه للأسف حال الكثير من الفتيات، حتى يستطعن استكمال تعليمهم والذهاب إلى وظائفهم.
هذا بعض مشاهد فيلم وثائقى عن تركيا عرضته قناة الـ BBC عربى منذ عدة أسابيع. دعك من مختلف القضايا التى عرضها هذا الفيلم الهام، فهذه المشاهد مخيفة، وإذا وضعت بجواره كلام الفتيات لوجدت نفسك أمام انتهاك لا يليق بحق من حقوق الإنسان، حقه فى التعبير عن نفسه، وحقه فى أن يرتدى ما يشاء طالما أن هذا لا يشكل اعتداءً على حرية الآخرين.
الأمر هنا لا يتعلق بكون الحجاب حلال أو حرام، فهذا اعتقاد شخصى، بالضبط مثل عدم ارتداء الحجاب، فهو اعتقاد شخصى لا يجب أن يتدخل فيه أحد أيا كان.. فإذا كان من حق أية فتاة عدم ارتداء الحجاب، فالطبيعى أن يكون ارتداء الحجاب حق أيضا.
الأمر هنا لا يتعلق بالعلمانية كما افهمها، كما يرى الكثير من أنصار التيار الدينى، ولكنه مرتبط بخطورة أن تتبنى الدولة أيديولوجية معينة، أن تتبنى وجهة نظر مع أو ضد الدين، وتقمع مجتمع بكامله حتى يسير على خطى ما تراه صحيحا، فهذا سيؤدى حتما إلى انتهاك حريات مواطنين فى ممارسة تدينهم بشكل سلمى ودون اعتداء على حرية الآخرين.
المؤسف فى حالة تركيا بالتحديد أن مؤسسها الأشهر مصطفى كمال أتاتورك، أراد تحديث بلده بالحديد والنار، بإجبار مجتمع بكامله على أن يخلع أرديته الدينية والثقافية، ليرتدى "بالعافية" ما يراه هذا المستبد العظيم صحيحا. ولم يفعل هذا فقط فى مواجهة المسلمين ولكنه فعله وبذات الوحشية مع أقليات منها الأكراد.. وفى النهاية جعل هذا البلد من على السطح مسخاً حداثيا، لا علاقة له بأوروبا كما كان يروج عن نفسه.
فالتطور والحداثة لا تأتى بفرض أى إيديولوجيا، ولكن بأن ينعم الناس بحرياتهم فى التعبير والتنظيم والتدين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة