64 مقعداً للنساء فى برلمان يتكون من 500 مقعد، هللت له الصحافة القومية باعتباره نصراً تاريخياً. أنصار "الكوتا" ومعارضوها لكلٍ منهم حججه المعروفة، فلكل فريق وجهة نظر لن نجد فيها اختلافاً ما بين بلدٍ وآخر.. لكن دعونا نسأل: لماذا "الكوتا" الآن؟
فى نهايات العام الماضى، طرح الرئيس "مبارك" الأمر ضمن تعديلات تتيح للمرأة تمثيلاً نيابياً أكبر، وهلل البعض باعتبار أن هذا ما سيعيد للمرأة المصرية مكانتها المنهوبة! لم ينتبه أحد إلى حجم ما حققته النساء على صعيد "المشاركة" الفعلية سواء فى الانتخابات المحلية التى أجريت العام الماضى، أو فى فوز امرأتين بمنصب العمدة، واحدة منهما فى الصعيد، ما يعنى أن المرأة المصرية موجودة بالفعل، لكن بعيداً عن صالونات الأحزاب، والصفحات الأولى للصحف.
الأمر وما فيه، أن العام 2011 من المفترض أن يشهد انتخابات رئاسية، وأن النظام يريد ـ من ضمن ما يريد ـ تجميل صورته، ولأن "المرأة" من أهم معايير تقييم أنظمة الحكم فى الشرق الأوسط هذه الأيام، فماذا سيضير لو أن منحة مؤقتة ( تم تحديدها بدورتين برلمانيتين) لن تضر أحداً، لكنها ستمنح فرصة كبيرة للتغنى بالنظام الذى أنصف المرأة.
وللأسف..الأجواء تشبه إلى حدٍ بعيد، تلك التى عاصرت تأسيس "المجلس القومى للمرأة"، الفكرة براقة، وبدت إيجابية للنساء المصريات اللاتى يواجهن الآن ما لم يشهدنه من قبل من طيور الجهل والظلام. لكن كل ناشط فى المجال الحقوقى أو النسوى، يعلم جيداً، أن المجلس جاء تأسيسه قبل ستة أشهر فقط من موعد استعراض موقف مصر أمام الأمم المتحدة من تنفيذ بنود اتفاقية "سيداو" (منع كافة أشكال التمييز ضد المرأة) التى كانت مصر قد سبق ووقعت عليها، فقررت الحكومة أن تبادر بتأسيس المجلس ليكون صاحب الحق فى إعداد التقرير، ما دفع الجمعيات الأهلية العاملة فى مجال المرأة حينها إلى إعداد تقرير مواز عرف بـ"تقرير الظل" لاستعراض الموقف الحقيقى لتطبيق الاتفاقية.
جاء "المجلس القومى للمرأة" فى ضوء تلك الظروف، وبعد معاداة غير معلنة مع الجمعيات العاملة قبله بسنين، استقر الأمر على علاقات تعاون بين الفريقين، لأجل دعم قضايا النساء المصريات بأفكار وخبرة ورؤية الجمعيات العاملة، ودعم المجلس.
وما بين شد وجذب، تم بالفعل دعم إيجابى لقضايا، على رأسها حصول الأبناء لأمهات مصريات على الجنسية المصرية، وهى القضية التى بح صوت جهات وطنية عديدة على مدى سنوات طويلة لأجل المطالبة بحلها. صحيح أن تراكم نضالات تلك الجهات هو ما صنع النصر فى النهاية، لكن الدفعة الأخيرة جاءت على يد المجلس، ليصبح هو رائد حقوق النساء فى مصر.
وبعيداً عن هذا .. المتابع بصدق سيعلم أن ما يستطيع المجلس بقوته النابعة من كونه جهةً رسمية، وبتمويله المتعدد الجهات، هو أكبر بكثير مما يحققه بالفعل..
هو نفسه ما سيحدث لو أن "كوتا" النساء فى البرلمان جاءت لإسكات أصوات المنتقدين لغياب التمثيل البرلمانى المناسب للمرأة، فما الذى يضمن أن هؤلاء النساء يمثلن فعلاً المرأة المصرية؟ وأنهن على وعى باحتياجاتها؟ والأهم .. تتفق مصالحهن مع المطالبة بحقوقها؟ ما سيحدث أن هؤلاء النساء قد يكن صورة أخرى من أى رجل استطاع الحصول على العضوية البرلمانية بسلاح المال أو استغلال النفوذ أو العضوية فى الحزب الحاكم، أو ربما بسلاح القبلية الذى لايزال هو الحاكم الناهى فى أرجاء كثيرة من المحروسة ( فلا فرق بين امرأة ورجل فى الوصول للغاية، ما يصنع الفرق فعلاً هو ما يؤمن به كل منهما، ومدى ما يمتلكه من مهارات وأدوات، تمكنه حتى بعد الفوز من تحقيق ما يريد من مكتسبات تتفق مع قناعاته).
حينها لن يستطيع أحد أن ينتقد غياب المرأة المصرية عن البرلمان، وستخرج الصحافة الأجنبية مهللةً للعصر الذى شهد بزوغاً برلمانياً للمرأة، وسيضاف إلى رصيد الانجازات ما هو ليس بالحقيقى ، فقد تشهد المرأة المصرية أسوأ عهودها لأن من يمثلنها لا يؤمن بها حقيقةً ولسن على وعىٍ باحتياجاتها، وإذا حاولت النساء الاعتراض، ستكون الإجابة جاهزة: لديكن من تتحدثن بأصواتكن فى البرلمان..وهنا قد يكون أسوأ السيناريوهات قد تحقق.
من أبرز النماذج البرلمانية فى تاريخ التمثيل النيابى للمرأة، كانت الراحلة "نوال عامر" التى حظيت بالعضوية البرلمانية عن طريق الانتخاب منذ عام 1964 وحتى وفاتها عام 1990، سواء أيام عضويتها فى "الاتحاد الاشتراكى" أو بعدها فى الحزب الوطنى، كانت "نوال" تمثل أهالى دائرة السيدة زينب، وكانت شعبيتها جارفة، لم يكن يستطيع أحد هزيمتها بسبب مجهوداتها لأهالى الحى، وتمثيلها المشرف لهم فى البرلمان، هكذا تكون المرأة "عضواً" فى البرلمان عن جدارة، ببساطة لأنها لو لم تكن هكذا كيف ستستطيع الصمود أمام تعقيدات تفعيل عضويتها؟ بل الأسوأ: قد تكون نموذجاً سيئاً لما يمكن أن تكون عليه المرأة، وسيقال حينها إن النساء بلا فائدة تذكر، وإن مساعدتهن على الدخول عن طريق الكوتا، جعلتهن أضعف من أن يكن برلمانيات.
على الجانب الآخر، نجد نموذج د."فوزية عبد الستار" التى حصلت على العضوية البرلمانية عن طريق التعيين، لقد كانت الدكتورة من أشد المعارضين لقانون "الخلع"! الذى مثل وقت تشريعه خطوةً للنساء فى سبيل حل مشاكل الطلاق المعلقة! وعلى المنوال نفسه لم تكترث لقضايا تتعلق بالمرأة، فلم تكن من أولوياتها، بالإضافة إلى مواقفها غير المرنة فى حال أخذ رأيها بهذا الشأن.
توقيت "الكوتا" يدفعنا للشك فى مدى الإيمان بدعم التمثيل للنيابى للمرأة، لكن الأخطر أنه قد يدفع للقلق من خلق نماذج نسائية برلمانية لن تكون سوى دليل على عدم جدارة المرأة بهذا المكان. ولو أن النية صادقة فى هذا، لشهدنا حملات توعية حقيقية ترفع من قدر النساء، على مستوى الإعلام تحديداً، وتفعيلاً "حقيقياً " لمشاركتهن على مستويات القاعدة السياسية ( وليس فى دورات تدريبية لا تسمن ولا تغنى من جوع).
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة