من الظلم اختزال حرية الصحافة فى إلغاء قوانين الحبس فى قضايا النشر، أو قانون حرية تداول المعلومات، أو انتقاد السلطة الحاكمة فقد لا غير. صحيح أن كل هذه قضايا مهمة، ولكن الصحيح أيضاً أنه من المستحيل أن تكون لدينا حرية صحافة والحقوق الاقتصادية للصحفيين مهدرة، فلا يحصل العاملون فى بلاط صاحبة الجلالة على الحد الأدنى لحياة كريمة، وهو ما يؤدى إلى كثير من الكوارث منها:
1- يضطر الكثير من الزملاء للعمل فى مكان واثنين وثلاثة، وهو ما يؤدى بالضرورة إلى تقليل الكيف لحساب الكم، وإلا كيف يستطيع الصحفى أن يفتح بيته وينفق على أولاده؟!
2- يضطر بعض زملائنا للعمل لدى مؤسسات خاصة وحكومية كمستشارين إعلاميين، أو العمل فى مجال الإعلان، وهو ما يفسد بالطبع حياد الصحفيين ونزاهتهم، ويفسد دون شك حق القارئ فى المعرفة.
3- أضف إلى ذلك أن الكثير من زملائنا غير المعينين، أى لا يملكون عقود عمل، يعملون فى شروط غير إنسانية فى كل المؤسسات، حكومية وحزبية وخاصة، يحصلون على أجور زهيدة، ويتم طردهم لأتفه الأسباب، فللأسف لا توجد حماية قانونية ونقابية لهم، فكيف يمكن لمثل هؤلاء الزملاء أن يمارسوا حقهم فى الحرية؟!
4- بسبب ما فات، تجد الكثير من زملائنا مضطرون، فى كل المؤسسات، لأن يكونوا تابعين لما يقرره مُلاك الصحف، فهذا هو الحل حتى يستطيع الترقى وتقاضى مكافأة معقولة تصون كرامته.
فكيف يكون الصحفى حراً فى ظل هذه الأوضاع المزرية؟
والمصيبة هى أن المتسبب فيها ليس الحكومة فقط، لكن أيضاً المعارضة ورجال الأعمال، أى أن الأمر الذى اتفقوا عليه هو نهب حقوق العاملين لديهم من الصحفيين.
المشكلة الثانية هى أن المجالس المتعاقبة لنقابة الصحفيين، سواء كانت محسوبة على المعارضة أو السلطة الحاكمة، لم تقتنع أن الأجور هى معركتها الأولى، وأن حماية العاملين فى المهنة، سواء كانوا يملكون عقداً أم لا، هو دورها الذى خلقت من أجله، وحولوا جميعاً النقابة إلى مجمع خدمات يستغلونه كساحة للمعارك السياسية وليس النقابية.
إذن ما هو الحل؟
أعرف أن الصورة معتمة، فمشوار الحصول على الحقوق طويل، ولكنه على كل حال بدأ، فقد اكتشف معظم الزملاء أنه لا فارق بين مالك صحيفة يمينى أو يسارى، حكومى أو معارض، بل يمكن القول دون تجنٍ أن الحكومة أرحم، واليمين أرحم من اليسار، فالفيصل ليس فى الشعار الذى ترفعه، ولكن فى أن تمنح الأجراء حقوقهم.
وهذا أول الغيث فى أن يستعيد الصحفيون حشد صفوفهم ضد من ينهب حقوقهم، وضد من اختطف نقابتهم سواء كان من السلطة الحاكمة أو معارضيها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة