لأننى ابن للطبقة الوسطى، فكانت الاستجابة لمطالبى فى الطفولة تتردد مابين الإجابة أو العكس .. والتعبير اللفظى عن الرفض عند هذه الطبقة لم يكن كلمة " لأ "، وإنما كان كما كانت تجيب أمى رحمها الله على طلب لى "فرجه قريب" .. وهنا أدرك بخبرتى أن الرفض هو الرد على طلبى. ولهذا فطالما كرهت كلمة "الفرج" فى الطفولة وتصارعت معها فى الصبا، مشدودا ما بين كراهيتى للكلمة كدلالة على الرفض وعشقى لها كنتيجة للصبر الذى أشبعتنى به تعاليمى الدينية.
وفى فترة الشباب (الممتدة وهماً حتى الآن) توترت علاقتى بالكلمة بفعل علاقاتى العشوائية بمجتمعات الثقافة والفكر والسياسة، فتذبذبت ما بين التمرد عليها لحظات العواصف الذهنية والفكرية التى تصيب عقلى أو التحصن بها ساعات وأيام الأزمات التى اقترنت بى. أنا ابن لشعب منتظر الفرج منذ أن نزل من الجبال إلى الوادى الكريم ليلقى بذرة فى أرضه الخصبة، فتطرح خيراً، وما بين البذر والحصاد كان شعبى ينتظر الفرج لينعم به. عندما تحالفت السلطة الدينية مع الحكم والسياسة وامتلك الفرعون الإله الأرض الخصبة بمن عليها, كان شعبى ينتظر الفرج .
وعندما زاد القهر والظلم وفاض الكيل وتمرد فلاح أهناسيا .. ألقى الكلمة فى وجه الظلم... وانتظر الفرج . ولما عرف المحتل طريقه للمحروسة قاوم الشعب وناضل ليمهد الطريق أمام الفرج الوافد من ألبانيا وحكمت الأسرة العلوية. وبعد التخلص من الحكم الأجنبى والاحتلال عانى الشعب من استبداد الحكم بالوصايا وظل ينتظر الفرج.
علمنا شيوخنا الطيبون أن الصبر مفتاح الفرج، وكيف لا وقد قال الله فى كتابه الكريم " يأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون " (آل عمران 200).
ولأن مشايخنا الطيبين من النوع "الكاجوال" نادوا بالصبر كطريق للفرج وتغاضوا عن إزعاج مواجهة النفس بالمصابرة ومواجهة العدو بالمرابطة، لما فيهما من جهد وجهاد لا يتفق مع "روشنتهم " وروحهم المرحة. الجوعى ينتظرون فرج ... العرايا ينتظرون فرج... المظلومون ينتظرون فرج ... المحبطون فى انتظار فرج ...حتى العشاق فى انتظار فرج .. وفرج لا يأتى أبداً لمن يكتفون بانتظاره .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة