لقد أسدل القضاء المصرى الستار، ولو بشكل مؤقت، على أشهر جريمة شاهدتها مصر فى الحقبة الأخيرة من تاريخها، وهى قضية رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى والمطربة سوزان تميم، والتى انتهت بالحكم التاريخى للقضاء المصرى بإعدام المتهمين فى هذه القضية، وبالطبع الحكم كان على غير المتوقع، فالكل توقع خروج الملياردير "كالشعرة من العجين"، هذه التوقعات بنيت على ما تمتع به هشام من مال وسلطة ومكانة سياسية يعلم الجميع مدى ضخامتها.
لكن لو قرأنا هذا المشهد بتأنٍ وقيمنا هذه القضية بأبعادها المختلفة لعلمنا يقيناً الحال الذى وصل إليها الفساد فى وطننا، وما ترتب عليها من زاوج السلطة بالمال، الذى أطاح بالفقراء وزادهم فقراً فى حين زاد الأثرياء ثراءً، كما نجد أنفسنا أمام مجموعة من الحقائق يأتى على رأسها ما يلى:
* أثبتت هذه القضية أن مصر تعيش كابوس زواج السلطة بالمال، هذا الزواج الباطل الذى أغرق الوطن فى الفساد، فمصر هى الدولة الوحيدة التى تظهر فيها بوضوح هذه النوعية من الزواج الفاسد، بينما نجد أن بعض الدول الغربية إذا أرادت أن تختار رجل أعمال لمنصب رسمى تطالبه بتسليم شركاته لإدارة محايدة تحددها الدولة، أم عندنا فى مصر، فتجد أن الوزراء رجال أعمال وأصحاب مؤسسات تعمل فى نفس مجالات وزارتهم، وبالطبع لابد أن يضع الكل ألف حساب لهذه المؤسسات، مما يفتح لها أبواب "البيزنس" على مصراعيه، وتزيد الأصفار أصفاراً، إنه وضع مقلوب يحتاج لوقفه جادة، وعلى النظام أن يتطهر من خطيئة وزارة رجال الأعمال، وعلى الحزب الوطنى أن يتراجع عن كارثة منحه للمليارديرات المقاعد فى المجالس البرلمانية، فالكل يئن من هذا الزواج الذى أفسد علينا حياتنا وجعل ثرواتنا تذهب لحفنة تلاعبت بواقعنا الاقتصادى.
*إن القضاء المصرى هو قلعة الأمان لكل المصريين، وأن موازين عدله هى الشىء الوحيد الذى يُشعر الجميع بالمساواة، كما أنه الصخرة التى تتحطم عليها سفن النفوذ والسلطة والمال، كما يؤكد هذا الحكم أنه مازالت بمصر مؤسسات لم يلوثها الفساد، ولعل خير دليل على طهارة هذه القلعة الإشراف القضائى على الانتخابات البرلمانية، والذى سطر فيه القضاة بحروف من نور ميلاد جديد للديمقراطية، ولكن أفسد هذه الصورة الجميلة التدخلات الأمنية، ثم التعديلات الدستورية التى أقصت رجال القضاء عن الانتخابات ليظهر غول التزوير من جديد ويغتال الحرية.
* إن الجهاز الأمنى بمصر يحتاج أن يتخلص من السلوكيات الفاسدة لبعض أبنائه، ويرشد سلطاتهم التى يستغلها البعض أسوأ استغلال، فما محسن السكرى إلا إفراز لهذه السلوكيات، ولعل ما شاهدناه من اعتداء بالضرب على الإعلاميين من قبل بعض أقارب السكرى العاملين بجهاز الشرطة وقيام أحد ضباط أمن الدولة فى بداية القضية بمد السكرى بتفاصيل سرية عنها خير دليل على احتياج هذه المؤسسة الهامة للتقويم الذاتى.
•إن الملايين من الدولارات التى دفعها هشام طلعت لسوزان تميم أو لمحسن السكرى وأثبتتها هذه القضية دليل واضح على أن بلدنا ليس فقيراً، وأن الأزمة المالية التى يعيشها المواطن المصرى البسيط ترجع إلى سيطرة قلة على ثروات مصر، فى حين أن معظم شعبنا محروم من هذه الثروة، وأن توزيعها بشكل عادل أصبح أمراً ضرورياً، فليس من المعقول أن يصرف ملياردير 50 مليون دولار على مطربة، فى حين أن الموظف المصرى يقف عاجزاً كل شهر عن حل معضلة كيف يستطيع أن يعيش هو وأسرته براتبه الذى لا يتجاوز الـ500 جنيه.
معظمنا يعلم أن قصة هشام طلعت وسوزان ليست الوحيدة فى واقعنا، فهناك مئات العلاقات المشبوهة بين البعض من أهل الفن ورجال الأعمال، ولعل ما تنشره الصحف عن مغامرات أصحاب الملايين مع المطربات بمدن شرم شيخ والساحل الشمالى ومصايف باريس ولندن دليل واضح على أن هذه القضية لن تكون الأخيرة.
*لقد أظهرت هذه القضية أننا أصبحنا فى أمس الحاجة للعودة لقيمنا وأخلاقنا، وأن يتذكر أصحاب الملايين، أن أموالهم وسلطتهم سيُحاسبون عليها يوم القيامة أمام الله، فليفيقوا قبل أن يجدوا أنفسهم أمام حبل المشنقة، أو حساب ثقيل يوم لا ينفع فيه الندم وليكن شعارهم قول رسولنا الكريم "نعم المال الصالح للعبد الصالح".
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة