دعونا نبدأ من البداية البسيطة للخوض فى هذا الملعب الذى يحاول بعض لاعبى كرة القدم المعتزلين احتكاره عن عدم فهم مولولين فى أى مكان يسمح لهم بالولولة التحليلية على اعتبار أنهم هم الأولى، وأنهم هم الوحيدون المؤهلون للكلام عن كرة القدم، وهم أبعد الناس عما يدعون لأنهم غير مؤهلين ثقافيا ولا سياسيا ولا حتى تجاريا لاحتكار هذا الحق، لذلك سوف تجد منهم من يقول إنه يكره اسم ألتراس كاسم لرابطة المشجعين مثلا لأنه يكره كلمة ألتراس لأنها كلمة مستوردة وليست مصرية، مع أن كرة القدم نفسها السبوبة التى يأكل منها البقلاوة ليست فى الأصل إلا لعبة) مستوردة) وليست مصرية، وأن العالم كله قد ألغى من قاموسه كلمة (مستوردة) هذه سواء كانت فى السياسة أو الاقتصاد أو الثقافة، وبالتالى فى الرياضة وبالأخص فى كرة القدم التى تغيرت فى العالم كله، وهؤلاء السادة الكباتن من اللاعبين السابقين لا يزيد دورهم فى إمتاع المشاهدين بعد اعتزالهم عن دور صبية الوصلة الذين يقومون بتوصيل السلك المشهور فى توصيل القنوات التليفزيونية المشفرة إلى المشاهدين فى العشوائيات ومساكن المقابر والقرى المصرية فى مصر كلها على اتساعها ليؤكد صبية الوصلة أنهم أصحاب حق أصيل فى تطوير كرة القدم أكثر من كل الكباتن المعتزلين الذين لا تعجبهم الكلمات المستوردة، مع أن كرة القدم كلعبة شهيرة هى نفسها مستوردة بكل ما فيها بكل قوانينها وتقاليدها وأعرافها وتجاهل الكباتن صبية الوصلة لاستيراد قوانين الفيفا ليس ناتجا عن كراهية الاستيراد، بل لأن هذا يتعارض مع ارتزاقهم من لى كل القوانين.
وإذا انتقلنا من هذا التبسيط لمسألة البث الفضائى وأرجعناها إلى أصل القضية فسوف يقودنا ذلك إلى مناقشة حق الدولة فى مواجهة حق الشعب الذى يقترفون دائما كل الجرائم باسمه، لكن قبل أن نبدأ الكلام عن أصل قضية البث دعونا نفرّق أولا بين البث الفضائى والنقل الفضائى، وسوف نضرب مثلا توضيحيا لذلك: فمثلا القناة الفضائية ( أ ) سوف تنتج برنامج منوعات تليفزيونى وتريد نقله على شاشتها فلابد أن يبث هذا البرنامج أولا إلى القمر الصناعى النايل سات أو العربسات أو الهوتبيرد الأوروبى أو قمر صناعى آخر هنا تتدخل الدولة بقوانينها التى تمنع بث هذا البرنامج إلا عن طريقها لذلك فإنه يتحتم على القناة الفضائية ( أ ) حتى تبث برنامج المنوعات هذا عن طريق أجهزة الدولة الهندسية نظير أجر معين ورسوم معينة تتقاضاها الدولة لبث هذا البرنامج إلى القمر الصناعى ثم تستقبل القناة الفضائية ( أ ) هذا البرنامج على شاشتها هى فقط دون أن يكون من حق الدولة أن تعرض هذا البرنامج على القناة الفضائية المصرية إلا إذا دفعت ثمن نقل البرنامج إلى القناة الفضائية ( أ )، فالدولة إذن تملك حق البث للقمر الصناعى ولا تملك حق نقل البرنامج على شاشة تملكها مرة أخرى نقول حق الدولة فى البث وليس فى النقل، لكن مسئولى التليفزيون المصرى الذين تشبعوا بقوانين صبية الوصلة يخلطون بين حق البث وحق النقل ويضمنهما فى مصطلح واحد مراوغ اسمه (حق البث الفضائى) بعد أن خلطوا بين حق البث وحق النقل خلطا متعمدا، فماذا يحدث لو باعت الدولة قناة النيل للرياضة تبعا لقوانين الخصخصة التى ألمت بنا فى كل مرافق الدولة المتحكمة فى حياة الشعب المصرى؟
إنهم يتباكون عن حق الشعب فى مشاهدة الكرة مجانا، ولماذا يكون هذا الحق فى كرة القدم فقط ولا يكون فى كل ما يقدم على الشاشة من ثقافة وفن وسياسة؟ دعونا نستريح قليلا من هذا العبث الكروى وننتهز فرصة الاهتمام الشعبى ببث ونقل مباريات كرة القدم ونتحدث بدون تشنج أو مزايدات على حق الشعب المصرى فى مشاهدة كل ما يبث على أرضه ونتحدث عن قانون البث بشكل عام أو إن شئتم الدقة فى (مشروع قانون البث الفضائى)، فقانون البث الفضائى لم يزل مجرد مشروع لم يقدم حتى اليوم إلى أى من المجلسين التشريعيين لمناقشته، فما أن تسربت أخباره حتى بدأ الجميع فى مناقشته، فمنهم من رأى أن مشروع قانون البث الفضائى المرئى والمسموع يعد مخالفا لصحيح لما ورد فى الدستور المصرى فى المواد 45 ، 46 ، 47 ، 48، 49 التى قررت أحقية كل فرد فى التعبير عن آرائه، وحريته الشخصية، وخصوصية مراسلاته، عوضا على أن صياغته المطاطة واستعماله ألفاظا ومفاهيم مرنة دون وضع معايير محددة لها بالرغم من إقراره لعقوبات جنائية جزاء لمخالفتها، تشكل مخالفة لمبدأ "عمومية وتجريد القاعدة القانونية"، فمفاهيم كالسلام الاجتماعى والآداب العامة، والوحدة الوطنية، والمعلومات السليمة، الشفافية، الارتقاء بمستوى الرسالة الإعلامية، ربما تصلح لصياغة ميثاق شرف إعلامى، وليس نصا جنائيا، وهو ذات الشأن بالنسبة لأمر إحالة نص المشروع فى إلزام المخاطبين به لوثيقة خارجة عن القانون نفسه، وهى ميثاق العمل الإعلامى والبث الفضائى المسموع والمرئى ليصبح جزءا ملزما من القانون.
كما يعد سلب النيابة العامة أحد اختصاصاتها الأصيلة فى تحريك الدعوى الجنائية وإعطائها لجهاز حكومى تابع فى حقيقته "للسلطة التنفيذية" تقليصا خطيرا لدور السلطة القضائية فى مباشرة الدعوى الجنائية، كما تجافى السياسة التشريعية التى تبناها مشروع هذا القانون كل ما ورد فى المواثيق الدولية المعنية، وخاصة المادة 19 فى كل من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان والعهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية فى المادة 19 منهما والتى تضمنت النص على حرية كل إنسان فى التعبير عن رأيه واعتناقه لآرائه الخاصة دون مضايقة، كما يخالف صراحة ما جاء ذكره بالفقرة 2 من ذات المادة والتى تقر بحق كل إنسان فى التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو بأية وسيلة أخرى، بالإضافة إلى انتهاك ما قرره إعلان الأمم المتحدة الخاص باستقلال وتعددية مصادر الحصول على المعلومات، وإعلان ويندهوك لعام 1991، وإعلان المآتا لعام 1992، إعلان سانتياجو لعام 1994، كذا المواثيق والاتفاقات الإقليمية (الميثاق الأوروبى، الإفريقى، العربى لحقوق الإنسان)، وهناك من المعارضين لمشروع القانون من يرى مؤكدا أن الحكومة المصرية دأبت على التفكير فى فرض قيود على دور الإعلام فى تناول القضايا الرئيسية فى المجتمع وهو ما يؤثر سلباً على حق أساسى من حقوق الإنسان وهو الحق فى تدفق المعلومات وتداولها.
لذا فإن قانون البث الفضائى سوف يهدد حرية الرأى والتعبير، وهناك من ينادى بضرورة إدارة حوار مجتمعى حول مواد مشروع قانون البث الفضائى وأن يكون الرأى العام شريكا أساسيا فيه، وقد قال أحد المشتركين فى وضع وثيقة هذا المشروع وهو الدكتور حسين أمين أستاذ الإعلام بالجامعة الأمريكية قال: "إن الوثيقة لم تكن وليدة اليوم كما يعتقد البعض بل تم تكليفى ومجموعة من الأكاديميين الإعلاميين المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة للإعداد لها فى نهاية 2005 وبداية 2006، وذلك بعد قراءة وترجمة دقيقة لمواثيق البث الفضائى فى أوروبا وأمريكا والخروج بوثيقة مناسبة"، أى أن المسألة ليست وليدة اليوم بل بيتت الحكومة لها بليل واستخدمت صبية الوصلة فى مجال كرة القدم لتفجير الموضوع شعبيا لاكتساب الرأى العام مستخدمة الخلط فى المفاهيم والمصطلحات وتسطيحها وتبسيطها لتمرير هذا المشروع المعيب، لكن السيد وزير الإعلام ينفى أية سلبيات أو نواقص فى المشروع فيقول: أولاً ما حدث وما أثير من جدل حول قانون البث المسموع والمرئى يعتبر نوعا من وضع القانون فى غير سياقه أو إطار مختلف تماما عن الهدف الذى شرعنا لوضع القانون من أجله.
الهدف الأساسى من إنشاء جهاز قومى لتنظيم البث المسموع والمرئى هو أن يكون هناك تحرير للإعلام المصرى وتنظيم لصناعته وهذا وارد فى البرنامج الرئاسى للرئيس تحت مسمى الديمقراطية وحرية التعبير، وكان أحد دعائم ترسيخ الديمقراطية وحرية التعبير فى مصر هو تحرير قطاع الإعلام فى مصر وخروج اتحاد الإذاعة والتليفزيون من إطار الهيمنة الكاملة على تقديم الخدمة يفسح المجال ليكون القطاع الخاص شريكاً فيها، ولكى يحدث ذلك ينبغى الفصل ما بين مقدم الخدمة وما بين من يقوم بمتابعتها وتنظيمها والإشراف عليها وبالتالى أصبح ضروريا الفصل بين الجهاز الحكومى كجهاز تنظيمى وبين اتحاد الإذاعة والتليفزيون كمقدم الخدمة ونفسح المجال للقطاع الخاص ليمارس دوره"، أى أن معالى وزير الإعلام يقول بتحرير قطاع الإعلام فى مصر وخروج اتحاد الإذاعة والتليفزيون من إطار الهيمنة الكاملة على تقديم الخدمة وأنه جهاز ينظم البث دون أن يكون له أية هيمنة على نقل المنتج على قنواته الفضائية، وهذا عكس تصرف مسئولى اتحاد الإذاعة والتليفزيون الذين أصبحوا يديرون مسألة البث الفضائى بمنطق صبية الوصلة تحت شعار "أخطف وأجرى" أو "أخطف حق غيرك وأربح" أنت دون أصحاب الحق الأصليين.
ومع أن صبية الوصلة يقومون بتوصيل كل الفضائيات المشفرة إلى كل قرى ونجوع مصر نظير أجر زهيد وكانوا هم المقصلة التى قطعت رأس الأفعى فى استغلال البشر وانتزاع حقهم فى مشاهدة ما يبث فى الفضاء، لكن هذا الأجر الزهيد قد تحول فى جيوب صبية الوصلة إلى الآلاف ومن ثم الملايين، وإذا كان صبية الوصلة يؤدون هذا الدور الشعبى مستخدمين مبررات براقة وذات شكل نبيل مثل كسر الاحتكارات والتخلص من استغلال أصحاب الفضائيات لخلق الله وتقديم الخدمة للبسطاء والفقراء من الشعب المصرى، فإذا كان صبية الوصلة فى القرى والنجوع والعشوائيات يقدمون هذه التبريرات البرّاقة فإن الحكومة المصرية ومن يمثلها فى أجهزة الأعلام قد تحولوا إلى صبية وصلة يرفعون نفس الشعارات.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة