ذكرنى قرار الحكومة المصرية بإعدام الخنازير بنكتة شهيرة تدور حول مسئول ضاق بحوادث قطار حلوان فأغلق حلوان.
أنا لست من متعاطى لحوم الخنزير لأسباب دينية ولا من مدمنى باقى اللحوم لأسباب اقتصادية، ولكنى من مناهضى الاستهبال والاستخفاف بالعقول.
مرض أنفلونزا الخنازير اسمه الدارج "سواين فلو" swine flu وليس له علاقة سببية مباشرة بالخنازير. وأيضاً أنا لست مع التفسير الطائفى لقرار الحكومة، والذى يرجعه البعض لاضطهاد المسيحيين، فأميز ما فى حكومتنا هو ليس فقط بعدها عن التطرف، وإنما عن أية عقيدة تقيد قدرتها على "تقليب" الشعب، ما علينا، قرار الحكومة بإعدام الخنازير راجع فى الأصل لخيبتها فى محاصرة أنفلونزا الطيور, هذه الخيبة الثقيلة التى نقلت مصر خلال أقل من ثلاث سنوات من منطقة آمنة من الإصابة بأنفلونزا الطيور إلى المرتبة الأولى فى الإصابة, مما اضطرها إلى التخلص من كل الأماكن المتوقع حملها للمرض، وبدأت بمزارع الخنازير ومن قبل بإعدام مزارع كاملة للطيور السليمة، ولا نعلم إلى أين ستمتد سياسة الإعدام، ربما إلينا شخصياً، ما علينا.
لا ترجع خيبة الحكومة إلى افتقار الخبرة، وإنما المرجعية الأساسية لهذه الخيبة هو الفساد والتربح والاحتكار وسيطرة جماعات الضغط، فقد كشف ظهور فيروس أنفلونزا الطيور عن خلل فى خريطة الملكية والخريطة الاقتصادية الخاصتين بنشاط تربية الدواجن، والذى يتحكم فى الثروة الداجنة فى مصر تلك المسئولة عن أكثر من 50% من المصادر البريتونية بها.
قبل دخول الفيروس مصر كان عدد المزارع المنتجة ما بين 16 ألف و18 ألف مزرعة، تنتج ألف مزرعة منهم ما بين 50.000 ألف إلى 100.000 دجاجة فى الدورة (الدورة 45 يوماً)، بينما يبلغ إنتاج كل مزرعة من بقية المزارع حوالى 5000 دجاجة فى الدورة، 60% من هذه المزارع ينتج دواجن التسمين (الفراخ البيضاء) و40% ينتج الأنواع البلدية الأخرى وبقية أنواع الطيور (البط – الأوز – الحمام – السمان – التركى، وغيرها)، ويمثل إنتاج كل هذا 80% من إنتاج الثروة الداجنة فى مصر، بينما يمثل الإنتاج المنزلى 20% من هذه الثروة.
ووصل حجم التمويل لهذه المزارع إلى 18 مليار جنيه تختص بالأدوية والعلف والخامات ولا تشمل حسابات الأساسيات.
وكان يتحكم فى مقدرات هذا السوق كله 50 مستورداً ومنتجاً فقط يملكون أكبر شركات الدواجن فى مصر، وهم الذين يتحكمون فى الكميات المنتجة وفى الأسعار، ومن هؤلاء شخصيات على علاقة بدوائر اتخاذ القرار السياسى فى مصر ومن أصحاب الأنشطة السياسية وأعضاء فى لجنة السياسات والحزب الوطنى الحاكم، وهو ما يفسر عدم إلحاق أى ضرر بالنشاط الداجن لهؤلاء نتيجة القرارات الأخيرة بحذر تداول الدواجن مثلما حدث مع صغار المربيين، فلسبب غير معروف تخلص كبار المنتجين من رصيدهم الاستراتيجى من الدواجن قبل إعلان وجود فيروس أنفلونزا الطيور بأيام، وهو ما يمكن تفسير تأجيل الحكومة الإعلان عن وجود الفيروس لعدة أسابيع وربما شهور.
وإلى جانب الحماية التى كفلتها الدوائر السياسية فى مصر لكبار المنتجين، والذى يشكل البعض منهم جزءاً من هذه الدوائر، فقد وجد كبار المربيين الفرصة سانحة للتخلص من صغار المنتجين، والذين كانوا كثيراً ما يمثلون لهم عقبة فى التحكم فى الأسعار وفى الكميات المتداولة فى السوق.
والآثار التى نتجت عن سياسة المواجهة الفاسدة لأنفلونزا الطيور فى مصر ليست فقط صحية، وإنما أيضاً اقتصادية ومنها:
• الاضطرار لإعدام قطعان سليمة لعدم وجود علف وإمكانيات للتربية (وهذا بالطبع لم يشمل كبار المنتجين).
• حرق السبلة والذى أدى إلى تلوث بيئى وانتشار المرض وارتفاع معدل الإصابة به وتلوث النهر لعدم وجود استعدادات لمواجهة هذه المشكلة على المستوى الشعبى.
• إلقاء القطعان النافقة فى النهر، خاصة وأن الحكومة المصرية لا تستخدم مطهرات رش، مثلما تفعل الدول الآسيوية لعدم توافرها.
• الهجوم على الطيور البرية مما أدى إلى خلل فى التوازن البيئى، وخاصة مع طائر أبوقردان، والذى يمثل عنصراً مهماً من عناصر الزراعة فى مصر.
• فقدان السلالات البلدية الأصلية فى مصر.
هذا بالإضافة إلى:
• طرد 2.5 مليون عامل دائم ومليون عامل مساعد موسمى فى مجال إنتاج الطيور.
• خسارة الإنتاج المنزلى من الطيور، والذى يمثل 20% من الثروة الداجنة فى مصر.
• ارتفاع أسعار الطيور والبيض فى مصر بعد الكارثة، هذا الارتفاع الذى سيستفيد به الـ50 منتج الكبير بعد الإفلاس المتوقع لصغار المنتجين وخروجهم من السوق، مما سيؤدى إلى خلل فى توازن السوق.
أخشى أن يصدر قرار حكومى بتكهين سيارات مرسيدس خنزيرة وحلوفة حماية للشعب من انتشار المرض، بالذمة مش إحنا شعب غلبان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة