"التحرش" كلمة أصبحت دافعاً لحماقات قد لا نعى تبعاتها إلا فى المستقبل.
فى الأسبوع الماضى نشر موقع اليوم السابع ، خبراً http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=89365 مضمونه مطالبة عدد من أعضاء المجلس المحلى فى محافظة الجيزة " بضرورة فصل البنين عن البنات فى المدارس الحكومية، وخاصة بالمدارس التجريبية." ! أما المبرر الذى ساقه الأعضاء المبجلون، فهو "ما تتعرض له البنات من تحرشات جنسية وسرقات للأغراض الشخصية من قبل الأولاد، كما أن هناك شكاوى متعددة من الآباء تجاه وجود حالات اغتصاب فى بعض المدارس الإعدادية، تمثل كارثة جديدة تواجه العملية التعليمية بالجيزة"!.
تضمن الخبر أيضاً أن وكيل وزارة التربية والتعليم، قد وافق على طلبات الأعضاء، وأنه سيتم تفعيل ذلك فى بداية العام الدراسى القادم فى المدارس التجريبية، حيث ستخصص فصول للبنات وأخرى للبنين.
الحقيقة لا يعرف المرء أيهما أعظم خطراً : الفعل ؟ أم ما سيق لتبريره؟!
فالإعلان عن وجود حالات اغتصاب فى بعض مدارس الجيزة، هو مصيبة، والاعتراف بوقوع حالات تحرش وسرقة، هو فضيحة بكل المعايير، أما أن يحدث هذا، وأن يتم السكوت عليه وعدم معالجته إلى أن يصل إلى مرحلة الظاهرة ، فهو تقصير فج من كل الجهات المعنية، واستخدام هذا لتبرير فصل البنات عن البنين فهو "استسهال" وتقديم لحلول لن تقدم ولن تؤخر، وهو تجاهل حقيقى لعمق المصيبة، فبأى منطق يقبل عقل أن البنين الذين يسرقون المتعلقات الشخصية لزميلاتهم لن يفعلوا هذا مع زملائهم فى فصول "للبنين فقط" ؟ وإذا كان التحرش يحدث داخل الفصل الواحد، فما الدليل أنه لن يحدث خارج الفصل وداخل أسوار المدرسة ؟ أو حتى خارجها ؟!.
ألهذا الحد تحولت مدراسنا إلى مرتع للمجرمين؟
وبمنتهى الاستسهال، يقال إن الحل هو فى الفصل بين الجنسين، ربما قيل هذا فى سياق "إسكات" غضب أعضاء مجلس محلى، وربما عن قناعة بأن الخلط بين الجنسين حرام، لكن المؤكد، أن النتيجة واحدة: أن تزداد نظرة الاتهام للتعامل بين النساء والرجال، وأن نربى أجيالاً ترى أن كل منهما "يحرم" على الآخر، فماذا ننتظر من جيل كهذا فى المستقبل؟ المؤكد أن الفضول للتعرف على الجنس الآخر سيزداد، فنرى وقائع غريبة كتلك التى تحدث فى مجتمعات مغلقة، نعرف جميعنا أن العلاقات بين الجنسين فيها مشوهة.
الاختلاط بين البنات والصبيان فى المدارس، ليس وليد اليوم، هذه الجرائم البشعة وحدها هى وليدة اليوم، وحتى الحجج التى ساقها أعضاء المجلس المحلى لتبريرها من الفقر وغيره، ليست مبرراً لارتكاب جريمة أعظم، فدور المدارس هو "التربية" و"التعليم "، أن نربى أفراداً يعرفون كيف يحترمون بعضهم البعض، ولا ينظر أحدهم للآخر بدونية بسبب النوع أو الجنس أو الدين أو اللون، أن نأخذ بأيديهم إلى غدٍ أفضل، لا أن نشوه تصوراتهم عن الآخر ( أياً كان )، أن نحارب معتقداتهم غير المتحضرة لا أن نعمقها . هكذا فقط نرتقى بهم إلى عالمٍ أفضل.
لا أعلم كيف مر الخبر دون تعقيبات من وزارة التربية والتعليم، وكيف أنها اكتفت بإعلانها بدء تطبيق سياسة "الفصل النوعى" من مطلع العام القادم، وكأنها هكذا "قامت بواجبها وخلاص" . "المدارس التجريبية " .. كانت مشروعاً حكومياً طموحاً لتقديم خدمة تعليمية متميزة لآباء يستطيعون تحمل كلفة تزيد على كلفة التعليم الحكومى العادى، وتقل عن التعليم الخاص، لكن هذه المدارس تتدهور بمفاهيم مثل هذه، فلا يكفى أن نعلم الأبناء التحدث بلغة أجنبية وحسب للاطلاع على العالم، ينبغى أن نرتقى بمفاهيمهم ونؤهلهم للانفتاح على عالم أوسع بقناعات أكثر تحضراً ومرونة.
أبناؤنا .. أبناء الحياة، علينا أن ندفعهم إليها مسلحين بقناعات تناسب عصرا قاسيا، لا أن نتركهم فيها متخلفين حضارياً.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة