عائلة الجندى المتمركزة فى قرية دماص بمركز ميت غمر محافظة الدقهلية، واحدة من العائلات المحافظة فى الريف، اشتهرت بحب العلماء والعلم ونشر تعاليم الإسلام السمحة ووسطيته، وكان أبناء «الجندى» الأوائل، يستقبلون شيوخ الأزهر القدامى، مثل المراغى وشلتوت لإحياء ليالى رمضان، ومعهم وافدون من دول آسيوية، كانوا يأتون عبر بعثات علمية للدراسة فى الأزهر، فكانت العائلة تستضيفهم استضافة دائمة فى دوّار العائلة أو «المضيفة» فى الشهر الكريم وفى الإجازات الصيفية، كما كان الشيخ محمود الجندى كبير العائلة وقاضيها العرفى صديقا للشيخ المراغى، ثم ورث نجله المستشار عبد الحليم الجندى هذه الصداقة.
العائلة لقبت بالجندى لأن جدهم الأكبر (السابع أو الثامن)، كان من الأتراك الذين جاءوا إلى مصر، ويعتقد كذلك أن العائلة جاءت مع محمد على، ولدى أبناء العائلة رواية تقول: إن الأمير طوسون (الابن الأكبر لمحمد على باشا) جاء وزار الأجداد فى دماص، وكان «أفندينا» -حاكم مصر مهما تبدلت ألقابه - عند مجيئه إلى المنصورة يستدعى مصطفى مصطفى الجندى، ويستشيره ويأخذ برأيه فى بعض الأمور الخاصة بالفلاحين، ويقال إن مصطفى الجندى هذا، هو الذى أشار على «أفندينا» بإلغاء «السُّخرة» فى الريف، وأصبح للعامل فى الأرض أجر، وقد سأل أفندينا العمدة مصطفى الجندى قائلاً: «الأرض عندكم يا مصطفى بتجيب محصول وعندنا مبتجيبش؟، فرد عليه قائلاً: لأننا ندفع أجراً لعمالنا وأنت لا تدفع لعامليك. فقرر أفندينا من المنصورة أن يكون للفلاح الذى يعمل أجر.
شهد منتصف القرن الثامن عشر، تركُّز العائلة فى دماص، و هى عائلة تتميز بمصاهرتها لجميع عائلات دماص، فلا تدخل بيتا من بيوتها إلا وتجد فيه، إما قريبا وإما صهرا، مثل عائلات (حسان وحجازى والشيخ وسالم والغريب والبنا وأبو حسين والنجارين).
الجنادوة، محافظون ومعتدلون فكريا ودينيا، ومتوسطو الحال ماديا، ومنهم قضاة ومستشارون ووكلاء نيابة وأساتذة جامعات وضباط فى الجيش والشرطة، ومحامون ومعلمون فى الأزهر والتربية والتعليم، وينتشرون فى الدقهلية وفى «زفتى» بالغربية و«منيا البصل» بالإسكندرية، وفى القاهرة، وليس منهم كل من اللواء أبوبكر الجندى، رئيس الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، وهو من المنوفية، المستشار ماهر الجندى، محافظ الجيزة سابقا، وهو من الشرقية، الفنان محمود الجندى الذى ينتمى إلى إحدى عائلات مركز أبو المطامير بمحافظة البحيرة.
الجنادوة، يزوجون بناتهم للأكفاء، يقولون: نحن نشترى الرجل ونقدر من يشترى أبناءنا، بمعنى تذليل العقبات، وعدم المبالغة فى الطلبات، طالما أن عنصر الكفاءة متوفر بين الطرفين، كما يقتصرون فى الأفراح على الاحتفال البسيط، لأن من مبادئهم عدم إرهاق الرجل الذى اشتراهم، ولا يحبون ممن يشترونه أن يرهقهم، ولا يتباهون بقدر المهر، ولا يتقدمون إلا لكفئهم ولا يأتيهم إلا كفؤهم.
محمد ومحمود ومصطفى مصطفى الجندى، كبار العائلة بدماص، كانوا يمتلكون 450 فداناً، ويرجع الفضل لهم فى إنشاء «دوار» العائلة الذى يشهد اجتماعاتها وتناقش فيه أمورها، وقد كان امتلاك أبناء العائلة لأراض بين «سنفا» و«طحا» بميت غمر، سببا فى مصاهرة عائلات (الزواهرية والسوايدة والحبايدة والإتربى وخيال والدسوقى و(شرف الدين بسنفا).
دار مناسبات العائلة «الدوار» أو «المضيفة»، أنشئت عام 1900 وهى تتسع لحوالى ألف فرد، وكانت اجتماعية دينية رياضية تناقش فيها أمور العائلة، ويمارس فيها بعض الألعاب الرياضية مثل رفع الأثقال و«العقلة» كنوع من الترفيه على أبناء القرية، وقد أدخلت العائلة بعض التجديدات والتحديث عليها، لتعاود ممارسة دورها بما يتناسب مع العصر، كما أنها كانت مأوى لعابرى السبيل، وتفتح للإفطار والسحور يوميا فى شهر رمضان.
يقول أحمد عبدالرحمن الجندى، مدرس لغة عربية، إن الأوضاع تغيرت، فالعائلة قديما كانت متواصلة، وكان البعد الإنسانى يحكم الناس فى علاقاتهم، لكن طغت الماديات اليوم، ويضيف أحمد: «لو أنا عايز أجمع العائلة فى يوم جمعة، وهى عادة كانت منتشرة عندنا حتى وقت قريب، على الغداء مثلا فى الدوار، فلو دعوت ألفا مثلا مش هيحضر غير خمسين».
أول مدرسة فى دماص بمركز ميت غمر، بناها ابن العائلة، الضابط الشهيد محمد السيد الجندى، وأوقف لها وقفا، وكان التعليم فيها إلزاميا، وهذه المدرسة استقبلت المهاجرين أيام حرب القناة ومكثوا فيها مدة طويلة، وكان أهل البلدة يوفرون لهم احتياجاتهم وهى تسمى مدرسة أبوالشهداء، ففى عام 1956 عاد الجيش المصرى، فأبقى محمد الجندى عددا من جنوده ،ليشغلوا القوات المعادية حتى يخلى الجيش أماكنه فبقى هو عند أحد الممرات، وكان العدد بسيطا واستشهد وهو يدافع عن وطنه، فسميت هذه المدرسة باسمه.
العمدة مصطفى الجندى، أحد أهم الوجوه البارزة والمؤثرة بين أبناء العائلة، كان عادلا بين الناس، وكان يمر على البيوت ليلا، فإذا وجد بابا مغلقا يوبخ صاحبه قائلاً «قافل بابك ليه.. هو مصطفى الجندى مات؟..افتح بابك ونام وانت مطمئن».
«الجنادوة» يفخرون برموزهم الذين كان لهم شأن فى التاريخ السياسى المصرى، فمنهم «فودة بك حسن جندى» (وجندى والجندى بأل التعريف وبدونها واحد) هو أحد الذين ساندوا الثورة العرابية وكان فى ميدان عابدين مع أحمد عرابى وقت أن قابله الخديو وقال له «أنتم عبيدنا»، فرد على الخديو قائلاً «ليس فى مصر عبيد».
من العائلة أيضا المستشار عبد الحليم الجندى، الرئيس السابق لإدارة قضايا الدولة، وكانت وقتها تسمى «قضايا الحكومة»، يقول عنه المستشار أحمد نصر الجندى، النائب السابق لرئيس محكمة النقض، أنا كنت أتردد عليه فى منزله، وشاهدت جمال عبد الناصر بعد قيام الثورة، وقبل أن يتولى رئاسة الجمهورية، يزوره فى منزله الكائن بشارع بيروت فى مصر الجديدة، وكان يأتيه منفردا، ويتشاور معه فى بعض الأمور، وكان عبدالناصر يأخذ برأيه فى الكثير من المسائل، ومنها أن عبدالناصر لجأ إليه فى تأميم قناة السويس، وأخذت قناة السويس جهداً كبيراً من عبد الحليم الجندى للدفاع عنها، وللدفاع عن متطلبات الثورة فيها».
ترافع عبد الحليم الجندى فى قضية الحكومة ضد شركة السكر، فى الخمسينيات، وكان لها 21 مليون جنيه عند هذه الشركة وكسبها، فأصبحت شركة السكر حكومية، واشترك فى وضع الدستور عدة مرات، وكان عضوا فى المجلس الأعلى للأزهر، الخاص بالإفتاء، وعضوا فى الكثير من المجالس القومية المتخصصة، وسافر إلى فرنسا للدفاع عن الحكومة فى الكثير من القضايا، واستدعاه الرئيس جمال عبدالناصر قبل مذبحة القضاة، وقتها كان عبد الحليم الجندى فى شاليهه الذى يمتلكه بمرسى مطروح، فلبى طلب الرئيس وحضر إلى القاهرة، فأخبره بأنه سوف يعينه وزيراً للعدل بشرط فصل قائمة تضم عدداً كبيراً من القضاة، إلا أن الجندى رفض وأعرب عن استعداده فصل عشرة على الأكثر لكن ليس كل هذا العدد، لأنه كان يرى أن ليس من سلطة رئيس الجمهورية إعطاء أوامر أو صياغة قرارات لوزير العدل، ولما تردد عليه مندوب الرئيس عبد الناصر أكثر من مرة، ووجد أن عبد الحليم الجندى مصرّ على رأيه، عاد ليقول له إن الرئيس عبد الناصر قال: «هذا رجل صاحب رأى والآراء تختلف»، لكن عبد الناصر أوصى بأن يوفروا له الراحة التامة وأن يعيدوه إلى مرسى مطروح كما استقدموه منها.
و«الجندى» عائلة ولاّدة، لا يقتصر ذكر رموزها على ما سبق، فهناك بطل وطنى آخر منها، هو المرحوم اللواء إبراهيم الجندى، كان قائدا لسلاح المشاة لفترة، ونائبا لرئيس أركان الجيش، وقائدا للمنطقة المركزية، وكان من ضمن المرشحين لحمل حقيبة وزارة الدفاع، وقد أمّن القاهرة مرتين، الأولى فى الثورة الشهيرة التى أطلق عليها الرئيس الراحل أنور السادات «انتفاضة الحرامية»، والمرة الثانية حين قام جنود الأمن المركزى بإضرابهم الشهير سنة 1986، اعتراضا على زيادة مدة تجنيدهم وسوء المعاملة، وهو الإضراب الذى شهد نزول الجيش إلى الشارع.
المستشار نصر الجندى يقول: سألت اللواء إبراهيم وقتها، ماذا كان الموقف فى الهرم؟، قال: «لم أضرب جنديا واحدا ولا عسكريا ولا ضابط شرطة.. صوّبنا النيران إلى بطن الجبل وليس باتجاه الجنود، وعدنا وعادوا معنا فى أمان دون إراقة نقطة دماء»، كما حفظ اللواء إبراهيم حدود مصر مع ليبيا، عندما ذهب الجيش المصرى إلى ليبيا، وكان وقتها قائدا للمنطقة الغربية، وعامل الليبيين بلين ولم يقس عليهم، واصطحب بعضهم زوارا إلى مصر، وقد كان للواء إبراهيم الجندى شقيق آخر هو اللواء محمود الجندى الذى كان قائدا للإمداد والتموين فى حرب أكتوبر 1973.
لمعلوماتك...
◄1900 شهد إنشاء دوار العائلة بقرية «دماص»
◄بارزون من العائلة
د.إبراهيم الجندى، أستاذ بجامعة عين شمس.
- د.أحمد أحمد الجندى، أستاذ بجامعة المنصورة.
- د.محسن عبد الحليم الجندى، أستاذ بمعهد البحوث الزراعية.
- اللواء أحمد إبراهيم الجندى، مدير أمن البحر الأحمر، سابقاً.
- ماجدة الجندى، رئيس تحرير مجلة «علاء الدين»، وزوجة الروائى الكبير جمال الغيطانى، رئيس تحرير «أخبار الأدب».
- د.نادية عبد الحليم الجندى، متخصصة فى الاقتصاد، و تدير عدة مشروعات بالولايات المتحدة الأمريكية.
- أحمد أحمد نصر الجندى، وكيل النائب العام.
المستشارون
- المستشار توفيق عبدالعليم الجندى، بالقضاء الإدارى.
- المستشار عبدالعليم عبدالعليم الجندى، رئيس محكمة استئناف القاهرة.
- المستشار مجدى عبدالعليم الجندى، محاضر بجامعة الزقازيق.
- المستشار عطية الجندى، استقال من عمله بهيئة قضايا الدولة، واتجه إلى المحاماة.
- المستشار عبد الله الجندى.
- المستشار وليد أحمد نصر الجندى.
◄«يوسف الجندى».. رئيس «جمهورية زفتى»
يوسف الجندى من الشباب الذين ساندوا سعد باشا زغلول، قبيل ثورة يوليو 1919، اشتهر وهو طالب فى كلية الحقوق بمناقشاته الثورية، وتم فصله من الكلية بسبب مواقفه ضد الإنجليز.
وعندما اندلعت ثورة 1919 كان الجندى فى بلدته زفتى (التابعة لمحافظة الغربية حالياً)، وحاصر الإنجليز المدينة فى محاولة للقبض عليه، فجمع أهل بلدته وأعلن «زفتى» جمهورية منفصلة، وبدأ فى مقاومة الإنجليز ونجح فى ذلك، وقد اختبأ فى «دوّار» العائلة بدماص ومكث فيه لفترة، وتقرر إطلاق اسمه على أحد الشوارع بعد وفاته تخليداً لمقاومته للاحتلال.
◄انتفاضة الحرامية
فى 18، 19 يناير 1977 أعلن المواطنون من الإسكندرية حتى أسوان رفضهم لقرارات الحكومة برفع أسعار السلع وخصوصا رغيف العيش وقد تم تكسير عدد من السيارات وواجهات المحال وأطلق السادات على هذه الأحداث «انتفاضة الحرامية».
أصولهم تركية.. ويُصاهرون جميع عائلات «دَماص».. ومنهم «يوسف الجندى» رئيس جمهورية زفتى
عائلة الجندى..أنقذت الفلاحين من «السُّخرة»
الخميس، 02 أبريل 2009 10:14 م
أبناء العائلة يتحدثون إلى محمد الجالى بقرية «دماص» فى الدقهلية - تصوير: ماهر أسكندر وعمرو دياب
كتب محمد الجالى ومحمد صالح
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة