لقد شهدت الشهور الماضية حملة شرسة على أصحاب النبى وكتب السنة الصحاح ورموز علم الحديث، من أصحاب الأقلام المُضللة المعتمدة فى استقاء معلوماتها على كتب المستشرقين والعلمانيين، الذين عالجوا موضوعات التاريخ الإسلامى بشكل تشويهى، أرادوا من خلاله اغتيال تاريخنا وقممه الشامخة.
ومما أثار حفيظتى ما يثيره بعض الباحثين وعلى رأسهم إسلام البحيرى، الذى تعود قلمه على الطعن فى كتب التراث، وخاصة صحيحى البخارى ومسلم، فقد قام الكاتب على مدار الشهور الماضية بالتعرض للإمام البخارى والتشكيك فى الروايات الصحيحة لكبار الصحابة، ومنهم الصحابى الجليل المحدث أبو هريرة ـ رضى الله عنه.
وقد ساق هذا الكاتب معلومات فى مقالاته لا نعلم من أين أتى بها، وحاول أن يفرضها كمسلمات على القراء، رغم أنها تخالف فى مجملها كل أمهات كتب التاريخ الإسلامى وعلم الحديث، ولن أخوض فى تفاصيل هذه الافتراءات، أو ما يخص الحديث، لأن لها المتخصصين الذين سيردون عليها، لكن ما سأتعرض له يخص ما استنتجته من أهداف استترت خلف كلمات هذه الحملة، ومنها: أن أمثال هؤلاء الكتًُاب حاولوا استغلال السطحية المعلوماتية لدى شباب الأمة بتاريخهم، وبدأوا من خلال حملتهم المنظمة إحلال منظومة معلوماتية مغلوطة عن رموز أمتنا، وعلى رأسهم الصحابة من أجل فقد القدوة لديهم واستبدالها بنماذج علمانية أو شيوعية (بمقاييسهم الخاصة).
كما استهدف هؤلاء رموز الحديث من أمثال أبى هريرة (صاحب أكبر رصيد فى رواية الحديث عن النبى صلى الله عليه وسلم) والبخارى (صاحب أصح كتاب بعد القرآن الكريم) من أجل التشكيك فى السنة ومصادرها، ساعين إلى ضرب الثوابت فى السنة المطهرة، رافعين شعار "إذا كذب المُحدِّث فالحديث أكذب"، آملين أن ينفذوا مخططاتهم فى ظل الموجة العاتية العالمية فى محاربة الإسلام والمسلمين.
الخطير فى الأمر أن هؤلاء الكتٌُُاب يدعون أنهم باحثون إسلاميون، ويلبسون ثوب الدفاع عن الإسلام، رافعين سيوفهم فى وجه من يخالفهم، مكيلين لهم عشرات التهم الملىء بها قاموس الإرهاب، مثل الغلاة والمتشددين والإرهاب الفكرى ومصادرة الإبداع... وغيرها، وبذلك نجح أعداء الأمة فى إيجاد صف جديد يحمل أتباعه رايات التغريب من بنى جلدتنا، دون الحاجة لهجمة جديدة للمستشرقين.
كما نلاحظ بين ثنايا هذه الحملة الشرسة استهداف اليقظة والفكر الإسلامى الذى يجد قبولاً كبيراً فى المجتمعات الإسلامية، ومحاولة قطع أوصاله عن طريق ضرب مصادره العلمية، مستغلين محاربة الأنظمة للإسلام السياسى، مستفيدين من حالة الصمت الذى تعيشه المؤسسات الإسلامية، وعلى رأسها الأزهر.
كما نلاحظ أيضاً أن مثل هذه الحملات تؤسس لهيمنة الفكر العلمانى بمنظومته الفكرية، وذلك من خلال استئصال واقع الأمة عن ماضيها، حتى يسهل على أصحاب هذا الفكر الإجهاز على الرأى العام وتشكيله على هواهم، ومن ثم يلوذون بفريستهم بعيداً عن دعوات أصحاب الثوابت والقيم -المحاصرين فكرياً- فى معظم الدول الإسلامية.
كما يتضح لمتتبع هذه الحملات أن الذين يقومون بها بعيدون كل البعد فى تخصصاتهم عما يطرحونه من قضايا، وأنهم يغرقون فى أفكار بعيدة كل البعد عما اتفق عليه جمهور علماء الأمة، وأكبر دليل على ذلك ما يسوقونه فى مقالاتهم من أدلة تخالف ما أجمع عليها علماء الأمة من السلف والخلف، كما أنهم يخالفون بذلك دعواتهم المستمرة بترك التخصص لأهل التخصص، فعندما تراجع مواقف هؤلاء تجدهم دأبوا على مطالبة المتحدثين فى الإسلام بتركه للعلماء، ولكن عندما تستوجب الحاجة يقومون بدور العالم والخطيب والجهبذ فى علم الحديث والأعلام، ويرتدون عمائم المشايخ مدعين لأنفسهم الدور التنويرى!
ولا يفوتنا فى النهاية أن نستنكر الصمت الذى يحيط بمؤسساتنا الإسلامية تجاه أمثال هؤلاء الطاعنين فى سب الصحابة وأعلام الأمة وكتب الصحاح فى السنة، فأين دورهم فى الدفاع عن الإسلام، كما أهيب بمؤسسات المجتمع المدنى التصدى لأمثال هؤلاء، فليس من مصلحة أحد أن نفقد ثوابتنا وهويتنا، وأن نرضخ لهوية علمانية أو تدين حدثى يفصل الأمة عن تراثها.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة