ليس غريبا ولا جديداً ما فعله الزعيم الليبى معمر القذافى فى القمة العربية بالدوحة. حين قاطع كلمة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثانى، ولم يلتزم بأى قواعد ولا أى بروتوكول من أجل مصالحة العاهل السعودى الملك عبدالله، وبدا كلام القذافى غير مسموع فى الجزء الأول لأنه لم يستخدم الميكروفون الموضوع أمامه. ووصف نفسه بأوصاف كان أبرزها.. "عميد الحكام العرب".
وهو لقب حقيقى لم يدعيه القذافى!!.. فهو أقدم رئيس جمهورية عربى حكم بلاده أكثر من 40 عاما. منذ قيام انقلاب الأول من سبتمبر عام 1969 على نظام الأسرة الملكية السنوسية. ذلك الانقلاب الذى تحول إلى ثورة وأصبح القذافى قائدا لها بصحبة عدد من رفاقه من الضباط ذوى الرتب الصغيرة. وقد ذكر القذافى أنه تأثر بجمال عبد الناصر فى مصر. فأراد أن يعيش فى دور الكاريزما التى تمتع بها عبد الناصر. فأعلن مبادئ الثورة الليبية الثلاثة "حرية.. اشتراكية.. وحدة" هى نفس مبادئ الثورة الناصرية.
وتوجه القذافى بقوة نحو الاتحاد السوفيتى مثلما فعل عبد الناصر، كما تابعه فى تحديه لأمريكا والقوى الغربية، وهى الأفكار التى تخلى عنها فيما بعد، وقام على أثرها بتفكيك الأسلحة النووية التى اختزنها لسنوات، ودفع فيها ملايين الدولارات من أموال الشعب الليبى وحصيلة النفط. وقد عرف عن القذافى إنفاقه الأموال الضخمة من أجل الدعاية لما سماه بالنظرية العالمية الاشتراكية الثالثة، والتى وضعها فى كتابه المسمى "الكتاب الأخضر". وهو كتاب مقدس فى بلاده، وله مركز عالمى ودور نشر وميزانيات تنفق على باحثين عرب وأجانب لعمل الدراسات حوله والترويج له.
وقد ذكر لى الوزير الطاهر بلخوجة وزير الداخلية التونسى الأسبق حين كنت أقوم بتدوين ذكرياته فى المهدية بتونس، أن الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة ضاق ذرعاً بآراء القذافى ومحاولته فرض وحدة اندماجية وتسيير المظاهرات على الحدود الليبية التونسية، ورآها بورقيبة أفكاراً لمُهر جامح يتملقه الجميع من حوله وتتجاوز ظروف كل دولة وخصوصيتها واختلاف العصور والأزمان. القذافى كما قال وهو صادق مع نفسه عميد الحكام العرب، وأيضاً أستاذ فن البقاء فى السلطة.. فلم تعرف ليبيا طوال تاريخها أى انتخابات رئاسية، أو حتى استفتاءات تنقل البلاد من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية.
وما عرف الليبيون واقعياً نظام السلطات الثلاث المعمول به فى كافة دول العالم، فثمة سلطة واحدة ووحيدة تتركز فى أيدى شخص واحد، وهناك استئثار واضح ومكشوف بالسلطة والثروة، ولا توجد معارضة على الأراضى الليبية أو إعلام حر أو مجتمع مدنى فاعل، والحياة الحزبية مجرمة فى القوانين الليبية. ولكن هناك بارقة أمل بدت تلوح فى الأفق.. منها صدور قرار بإعادة الأموال والممتلكات المصادرة من الأسرة الملكية السابقة، وتعديل قانون المحاكم الثورية ورد الاعتبار للقضاء الليبى وخطوات أخرى على الطريق للإصلاح.
نعم قد تكون تلك القرارات للترويج لمشروع سيف الإسلام نجل القذافى، لكن القضية واحدة والهدف واحد.. إعادة الحياة الدستورية والنيابية إلى ليبيا وإقامة مجتمع التعددية والتسامح السياسى، ساعتها ستكون الأقدمية والعمادة فى القدوة والإصلاح وبناء الإنسان الليبى الطموح فى اقتسام الثرة والسلطة. وأعتقد أن الفرصة سانحة أمام القذافى الآن وليس بعد ذلك، فالرجل أصبح رئيساً للاتحاد الأفريقى.. فليكن قدوة لكل دول أفريقيا التى كافحت لنيل استقلالها، وتسعى للحصول على الاستقلال الثانى بتحقيق الديمقراطية.. فهل يفعلها العقيد القذافى؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة