"إنتى اشتغلى إيه؟".. "سواقة يا هانم سواقة"!
المشهد لم يعد كوميدياً، لم يعد مضحكاً أن يقف "عدلى خيرى" محاولاً أن يشرح باستماتة للرائعة "مارى منيب" مهنته كسائق؛ الأكثر قدرة على إثارة الضحك الآن، هو مشهد السائقين الذين تحاول الحكومة أن تجعلهم يدفعون ثمن رغبتها فى تحسين حالة السير فى شوارع القاهرة، وخفض نسبة التلوث فيها، فترغمهم على إبدال سياراتهم القديمة بأخرى أحدث موديل.
لاشك طبعاً، أن حال شوارع القاهرة يرثى لها، وأن السيارات المتهالكة هى واحدة من أسباب تدنى حال الشوارع، لأسباب كثيرة يشعر بها من يمارس قيادة سيارة فى القاهرة؛ لكن هذا وحده ليس مبرراً لأن يدفع السائقون الثمن وحدهم، فلو افترضنا أن مالك التاكسى القديم لا يملك بالفعل ثمن شراء واحد جديد، حتى برغم "الدعم" الذى قد يقدم له؛ حينها نكون قد حكمنا عليه وأسرته بالعوز، الذى قد يكون هذا التاكسى هو ساترهم الوحيد منه، والمنطق يقول إن من يمتلك سيارة قديمة هو الأكثر حاجة إلى المساعدة، وهو الذى يريد إتقاء شر الأقساط الشهرية مرتفعة كانت أو منخفضة، وكم من هؤلاء تمتلىء بهم شوارع القاهرة.
إحلال التاكسى، سيعطى القاهرة مظهراً حضارياً، وسيقلل إلى حدٍ كبير الأعطال المرورية نتيجة تعطل السيارات القديمة طوال شهور الصيف القائظة، لكن ماذا يفعل السائق الذى لن تسمح له ظروفه بتحمل سعر السيارة الجديدة؟ وماذا سيفعل الركاب حين يرفع السائقون أسعارهم لمواجهة التزاماتهم الشهرية الجديدة؟.
مرة أخرى، يخرج قرار حكومى "فوقى" يصدره من يشاهد شوارع المحروسة من شرفته العالية، دون الأخذ فى الاعتبار تبعات ذلك على مواطن غلبان.
ولو أن الحكومة تشفق بالفعل على شوارع العاصمة، ولو أنها تريد حقاً تخفيض نسب التلوث فى هوائها، ولو أنها.. ولو أنها.. وكل ذلك من اعتباراتٍ حضارية، لتحملت هى الخسارة المادية فى سبيل الهدف الحضارى، ولتحملت وحدها كلفة إحلال التاكسى، لكل من يمتلك بالفعل تاكسى قديم قبل الإعلان عن المشروع، حينها ستوظف مال الدولة لأجل صحة المواطنين وأعصابهم بسيولة مرورية فى شوارع العاصمة، وبنقاء هوائها، وبدوام نعمة "الستر" على أهلها من ذوى النفوس العفيفة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة