كل أسبوع يوم الجمعة

الخميس، 12 مارس 2009 10:34 م
كل أسبوع يوم الجمعة
رواية إبراهيم عبدالمجيد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أصبح الجروب يوم السبت على أعضاء جدد آخرين قبلتهم روضة صاحبة الموقع قبل أن ينتصف ليل الجمعة. توقف تامر عند شخصين منهم أعاد قراءة بياناتهما وصفحة كل منهما غير مصدق.. لم ينتبه إلى الشخصيات الأخرى.

الاســــم: لبيب بارع
تاريخ الميلاد: 5/4/1975
محل الميلاد: المنوفية
الديانـــة: مسلم
التعليـــم: كلية الشرطة
العمـــل: ضابط بوليس برتبة رائد
النشاط:
الإيميـل: labeeb pare3 @ hot mail.com
اكتشفت هذا الموقع وسعدت بكونه مصرياً فقط. رغم أننى لا أكره الأجانب. لكن أحسست أن الألفة فيه ستكون أكبر.

للأسف نحن ضباط الشرطة ممنوع علينا أن نشترك فى مدونات أو مواقع، أو نكتب فى الصحافة، أو نؤلف الكتب إلا بإذن سابق. لذلك فهذا ليس اسمى الحقيقى. أعلم أننى بذلك أرتكب مغامرة. لكن فى الحقيقة تعذبنى أسئلة لعلى أجد إجابة عليها عند أحد منكم. وقبل ذلك أقول لكم إننى أعرف الحساسية التى عند الناس من كلمة ضابط شرطة، رغم أن الجميع تقريبا يتمنون لو كان أبناؤهم ضباط شرطة. ولو أدرك الناس طبيعة عملنا ربما لم يتمنوا ذلك. فنحن مثلا لا نعرف الإجازات مثل غيرنا، وليس لدينا أى وقت لقراءة الكتب أو الصحف، ومستعدون بالليل والنهار -حتى ونحن فى أسرتنا مع زوجاتنا- للاستدعاء. الشرطة فى كل العالم مهمتها الأولى تأمين حياة الناس ومصالحهم ومصالح الوطن. لكن الشرطة لدينا مهمتها تأمين حياة المسئولين الكبار. عدد المنوط بهم ذلك من جنود أو ضباط أكثر من أى عدد فى مجال آخر، وربما أكثر من المخصص من الشرطة لحماية جميع المجالات.

ليس مهما هنا التعب الجسمى رغم وجوده، خصوصا فى التشريفات، التى كثيرا ما نستعد لها منذ اليوم السابق، ونقف فى الشوارع طول الليل من أجل لحظات مرور للرجل المهم بالنهار. فى الصيف والشتاء. ولكن العبء النفسى يمكن أن يدمر أى ضابط شرطة. غلطة واحدة تعنى نهاية عمله. أقول ذلك لأوضح لكم فقط أننا نستحق بعض التعاطف. وحتى لا يظن أحد أننى أريد الاشتراك فى هذه الموقع للتعاطف مع رجال الشرطة فقط، أحب أن أسمع آراءكم فى عنف رجال الشرطة مع الناس.

أنا شخصيا لا أتعمد الخشونة أبدا، ولكنى أجد نفسى أفعل ذلك.أنا فى البيت رقيق جدا مع زوجتى وأولادى، لكن ما إن أدخل قسم الشرطة، ما إن أقترب منه فى الحقيقة، حتى أجد نفسى وقد تغير شىء فى روحى، أصبح أكثر قابلية للاستثارة، ورغبة فى الصراخ، وأنسى قاموس الكلمات المهذبة، ولا يبقى لى إلا الكلمات الفظة والسخرية والاستخفاف بخلق الله.

عند نهاية نوبة العمل، ما إن أبعد عن قسم الشرطة، حتى أعود إلى حالتى من الرقة.. هل هذا طبيعى؟ هل سأستمر أعيش هكذا؟ علما بأننى لا أكون رقيقا فى البيت فقط، بل فى أى مكان آخر غير قسم البوليس، سينما أو مقهى أو حديقة أو غيرها. أتذكر جيدا أن هذا لم يكن حالى فى بداية عملى، بعد تخرجى من الكلية، لكن يوما بعد يوم حدث كذلك. هل هم المجرمون الذين أقابلهم فى قسم البوليس يدفعوننى لأكون فى غير صورتى الطبيعية؟ ألا يكون هذا هو بالفعل نوع من أمراض المهنة، تماما كما يرفع الحداد صوته لمن يحدثه، ويشير المدرس بيديه عاليا، وتتحرك عيون المخبرين فى كل اتجاه؟ إذا اقتنعتم بهذا التفسير فلماذا تكون القسوة فى الحكم على رجال الشرطة؟

الاسـم: صابر عيد
تاريخ الميلاد: 29/2/1983
محل الميلاد: الجيزة
الديانــة: مسلم
التعليـم: بكالوريوس محاسبة
العمـل: محاسب حر
النشاط:
الإيميل: saber eid @pacients.com
لا تندهشوا من اسم الموقع الذى عليه الإيميل الخاص بى. اسمه الصابرون بالعربية، وليس المرض. رغم أن الكلمة الإنجليزية pacients تعطى المعنيين. ورغم أنه ظهر فى عنوان «لا شىء» فهو لم يشر إلى معناه، ومن المهم هنا، لا أعرف لماذا أشعر بذلك، أن أخبركم بأنه موقع لإحدى المؤسسات الاجتماعية الخيرية الجديدة التى تقدم الخدمات بالمجان للمحتاجين. أظنكم قرأتم عنها فى الصحف، وكيف أن أصحابها من رجال الأعمال المسلمين المتدينين، قد قرروا اختيار هذا الاسم للموقع تيمنا بدخول كل أعضائه إلى الجنة.

فالله يقول فى كتابه «وبشر الصابرين». أعجبنى اسم الموقع لذلك وليس لما قالوه أيضا فى الدعاية له، أن «جوجل» كلمة صعبة، تبدو مثل حجر ثقيل على الصدر، وأن «ياهو» كلمة تذكرنا بيهوا رب اليهود. لقد سمعت خطيب مسجد فى السيدة عائشة يحذر الناس من الدخول على موقع ياهو لأنها كلمة محرفة عن يهوا. يومها كنت ذاهبا إلى هناك لشراء بعض العصافير الكناريا من باعة العصافير الذين يقفون يوم الجمعة بالميدان، ويخيل إليك حين تراهم أنهم لم يتحركوا من هذا المكان منذ الجمعة الماضى. وهكذا ربما أقدّر ما كتبه الأستاذ مختار كحيل عن التكرار الممل للأيام والوقت أيضا. كما أننى فضلت موقع pacients عن موقع maktoob، لأن «مكتوب» عنوان محزن، رغم أننى أعرف أن المعنى هنا هو الرسالة، التى تسمى عندنا فى الريف مكتوب، كما تسمى فى كثير من البلدان العربية.

كلمة مكتوب مرتبطة بالقدر دائما فى حياتنا الشعبية، وربما تعنى القدر نفسه وتقال أكثر فى المواقف المؤلمة. أما «هوت ميل» فكثيرا ما يسقط السيرفر بتاعه، فلا يكون هناك شىء ساخن ولا رسالة من أصله. ثم إننى محاسب حر لا أعمل فى مؤسسة تمتلك موقعا، مثل الصحفية مريم، وإن كنت سأفعل مثلها ولا أستخدم موقع المؤسسة إلا فيما يخص العمل. أعجبنى أن مريم تفعل ذلك. هى فيما يبدو إنسانة محترمة.

ما أود أن أحدثكم فيه هو أننى بعد أن قرأت صفحات المشتركين حتى الآن، وجدتها معقولة، وبها كثير من الحقائق والأحداث الجادة، ويمكن أن تعطينا صورة عن الحياة حولنا فنفهمها أكثر. «أو على الأقل كل واحد فينا يشوف بلوى التانى فتهون عليه بلواه». لكنى ارتبكت جدا من صفحة الأخ «تامر كونيكشن»، ارتبكت فى اللحظة التى رأيت فيها صورته، فأنا لا أنساه منذ قبض عليه وفقا لقانون الاشتباه منذ عامين. هو صادق جدا فى كلامه. وإن لم يكمل بقية القصة. وأنا حزين أنه لم ينس ما جرى حتى الآن. لقد وعد أن يكتبه فلم يكتبه. أنا سأفعل ذلك، حتى أرفع عنه الخجل، وحتى أريحه، وأرجو أن يعذرنى، ولا شك أنه سيوافق على ما أكتب، خاصة أنه حدث، وأن صورتى أمامه. إذن سيتذكرنى كما تذكرته.

كنت أنا أيضا مقبوضا على تلك الليلة وفقا لنفس القانون، الاشتباه، الذى لا أعرف، ولا يعرف أحد، له مثيلا فى الدنيا، فالناس فى الدنيا أبرياء حتى تثبت إدانتهم إلا هنا. ما علينا. بلادنا وبنحبها حتى لو كانت عرجاء أو حتى «عورة». البلد زى الأم وزى الأب. افرض الواحد اتولد لقى أبوه أعور، هل سيكرهه؟ أو أمه عمشة هل سيكرهها؟ تحملونى إذن من فضلكم. تلك الليلة، ورغم القبض على، كنت جالساً فى مكتب المأمور أشرب فنجانا من القهوة. كيف حدث ذلك؟ قصة طويلة. بطلتها أمى وأحد أعضاء مجلس الشورى، لا داعى لذكر اسمه، أمى دائمة الفخر به، منذ علمت بصعوده إلى المجلس صدفة وهى تشاهد التلفزيون. كان يتحدث عن حياته الجديدة بعد أن أصبح عضوا فى المجلس، ويشكر كل المسئولين فى الحزب الحاكم الذين ساعدوه، وأبناء الدايرة الذين انتخبوه. منذ هذه اللحظة تغيرت حياة أمى.

أصبحت على ثقة أن كل شىء فى حياتنا سيكون على ما يرام، وأنها لن تحتاج فى حياتها لأى شىء وتعجز عن الوصول إليه. وأنا لا أعرف ماذا يمكن أن تحتاج فى هذه السن؟ كما أننا لا نحتاج لأى شىء، أنا وأختى المتزوجة. قالت أمى إ نه، هذا العضو، ابن عم أبيها، ولا أعرف أنا كيف يكون ابن عم أبيها حقا، هو فى الخمسين، وهى فى الستين، وأبى مات فى السبعين منذ خمس سنوات. حسبة برما! لكن لا بأس صدقت أمى، فهى فجأة صار معها رقم تليفونه المحمول، ولم تخبرنى أبدا كيف توصلت إليه، ولا أنا سألتها. قالت لى جرب وشوف، أعمل له رنة، رنة بس ما تزودش، وعملت. لم يتأخر، وطلبنا، إذن هو يعرف رقم موبايلى، فاستجاب، أو يتصور أن أى مكالمة تصله مهمة مادام صار عضواً بمجلس الشورى أو أن أمى ذهبت إليه وقابلته دون أن تخبرنا. المهم. أعطيتها الموبايل فطلبت منه أن يوفر لى عملا فى وزارة البترول أو الكهرباء. كان هذا منذ عامين وأكثر. لاحظوا أن حكايتى ستختلف عن حكاية باسم، فهو كان يعمل للدعاية لمرشح مجلس الشعب، أملا فى الفوز بوظيفة، ولم يفز، أنا لم أعمل بالدعاية لعضو مجلس الشورى، وفزت بالوظيفة ببساطة شديدة. معروف طبعا أن لكل عضو فى المجلسين، خمس وظائف، وربما أكثر، مضمونة لمن يريد كل عام، كذلك عشر حجات بدون قرعة. ما إن أمسكت أمى بالكارت الذى يحمل اسمه، والذى عليه توصية مضمونة للعمل فى وزارة البترول حتى قالت لى بعها، اندهشت جدا. سألتها.

ـ أبيع ايه؟
ـ الوظيفة..
- إزاى. دى فرصة عمرى..؟
- مالك انت ومال البترول والصحراء. انت محاسب تجمع وتطرح.
- لكن الوزارة فى القاهرة.
- بعها اسمع الكلام. ح ناخد منه وظيفة تانية.
- يا ماما مش ممكن.
- إيه هو اللى مش ممكن. دا ابن عم أبويا ومش حيتخلى عننا.
بعت الوظيفة لشاب فى حارتنا بثلاثين ألف جنيه. قالت لى:
- شيلهم. حطهم فى حساب ليك فى البنك. ما تسحبهمش أبدا..
فعلت ذلك. لم أسأل أبدا عن خططها. سألتنى بعد شهر.
- احنا على أبواب الحج، مش كده؟
أجبت:
- ايوه.
- أطلب لى ابن عم أبويا. رنة بس.

وفعلت. طلبنا بسرعة أيضا. أعطيتها الموبايل. كلمته. طلبت منه حجة مجانية لها، ومن غير قرعة، من حجج وزارة التضامن الاجتماعى. ذهبت إلى مجلس الشورى لأقابله فوجدته مثل المرة السابقة قد ترك لى الكارت، التوصية المضمونة مع مدير لشئون المجلس. يعنى لم أقابله، وحتى الآن لم أقابله. عدت إلى البيت أفكر أن أمى باعت الوظيفة لتوفر فلوسها تحج بها. فالحج يحتاج مصاريف كثيرة حتى لو كان بالمجان. أعطيتها الكارت. قالت:
- هو كاتب اسمى فيه؟
- لا. هو كاتب توصية لحامله. زى ما عمل فى الوظيفة.
- خلاص. بعها.
- أبيع ايه ياماما؟
- بيع الحجة. صعبة دى. وبعدين أنا حجيت قبل كده. مش لازم أفضل رايحة جاية على السكك!
فى الحقيقة ضحكت. أولا للطريقة التى تتحدث بها أمى. ثانيا لأنها لم تحج من قبل.
وجدت أن بيع الحجة سيكون بسعر أقل من بيع الوظيفة. فى لحظة مجنونة فكرت فى ذلك.

ذهبت إلى عضو مجلس الشعب عن دائرتنا، وهو رجل فاضل، صوروه مرة فى ملهى ليلى رخيص، جالسا يحتسى البيرة، ومعه امرأتان، صدر كل منهما يكاد ينزلق من على الترابيزة، واتضح بعد ذلك أنه مظلوم، وأن الصورة مركبة من قبل أحد خصومه فى المجلس. ويوم ظهرت براءته ذبح عشرة عجول فى الشارع وزعها على أبناء الدائرة. طلبت من حضرته أن يأخذ الحجة، ويعطينى بدلا منها وظيفة، ليس من الضرورى أن تكون فى وزارة البترول أو الكهرباء فهى أغلى من الحجة. ممكن تكون فى وزارة الثقافة مثلا. نظر إلى فى دهشة تحولت إلى غضب فى عينيه. قلت خائفا:
- مستعد أدفع الفرق..
حدق فى وجهى.
- بتقول ايه يا مجنون أنت. بره. بره. طلعوا الحيوان ده بره مكتبى.
دخل علينا سكرتيره الضخم، وسكرتيرته الحسناء. أمسك سكرتيره بذراعى يخرجنى بهدوء.
قلت له وأنا أنظر إلى الأرض:
- أنا أسف يا فندم. ما كانش قصدى. أنا. أنا.
ارتبكت جدا أمامه. لم يرد. ما كدت أبتعد مع سكرتيره حتى قال:
- استنى هنا.
وقفت.
أشار إلى السكرتير والسكرتيرة بالخروج.
ورينى الكارت اللى معاك.
قدمته اليه مرتعشا، خائفا أن يمزقه، أو حتى يأخذه ويطردنى. نظر إلى الكارت لحظات فتح فيها عينيه وزم شفتيه وقال:
- استنى بره شوية عند السكرتير ما تكلمش حد.
تنهدت. قلت فى نفسى خير. خرجت وجلست مع السكرتير والسكرتيرة. قدما لى شايا لم أشربه. نصف ساعة وأنا فى قلق بالغ. دخل علينا صعيدى ضخم، ما إن ظهر حتى وقف السكرتير والسكرتيرة مبتسمين.
- أهلا معلم إسحق..
- الباشا موجود؟
- فى انتظارك يا باشا.
دخل المعلم إسحق ومعه السكرتيرة التى خرجت فى التو وأشارت لى بالدخول. سمعت وأنا أدخل عضو المجلس عن دائرتنا يقول للمعلم إسحق:
- جيت فى وقتك يا حاج.

حاج؟! فكرت لحظة. واسمه إسحق؟ ربما. ماذا يمنع؟ إسحق نبى مذكور فى القرآن. أكيد فيه مسلمين اسمهم إسحق وأنا الذى لا أعرف. كان الحاج قد جلس وأنا لا زلت أقف. قدم سيادة العضو الكارت للحاج إسحق الذى نظر فيه لحظات ثم بدون كلام أخرج من صدره رزمة أوراق مالية فئة مائة جنيه عرفت أنا أنها لابد عشرة آلاف. سحب منها سيادة النائب الفين بسرعة. وقدم الباقى لى قائلا...
- أهى فرجت ياسيدى. ما شوفش وشك هنا تانى.

خرجت لا أصدق. عند الباب قال لى «سلم على سعادة النائب» وكنت أنا أفكر كيف نجحت. أدركت أننى خسرت كثيرا. ثم قلت لنفسى وظيفة فى وزارة الثقافة لم تكن تساوى أكتر من خمسة آلاف جنيه. إذن أنا الكسبان. كنا بالليل، والساعة تقترب من العاشرة، ولم أشأ العودة إلى البيت قبل أن أسهر مع أصدقائى فى أركاديا مول على الكورنيش. تلك كانت الليلة التى قابلت فيها تامر. أخذونى من التاكسى وجدوا معى الثمانية آلاف جنيه بعد أن فتشونى.

اشتبهوا فى لأن بطاقتى الشخصية مكتوب فيها «حاصل على بكالوريوس تجارة» هذا الذى كان الضابط يريده مكتوبا فى بطاقة تامر، لم يشفع لى، لأنه فى الحقيقة مثير للاشتباه أكثر من أى مسمى وظيفى آخر، عادة الاشتباه يكون فى الذين لا توجد فى بطاقاتهم مهنة ما.

بالمناسبة، لى صديق تدهورت حالته النفسية جدا لأنه كلما كتب فى البطاقة مهنة غيرها بعد عدة أشهر. الأعمال الآن كلها بعقود مؤقتة. ولما قلت له اترك المهنة فى البطاقة ولا تغيرها حتى لو تغيرت فى الحقيقة. قال سيارات الشرطة بها كمبيوترات يدخلون منها على أى مؤسسة أو شركة فيعرفون إذا كنت أعمل فيها كما هو بالبطاقة أم لا. لم أجد شيئا آخر أقوله له. المهم. تامر يسكن فى العمرانية وأنا فى كفر طهرمس، وهما متداخلتان جدا، وإن كنت لم أعرفه من قبل. بصراحة هى مناطق ما تشرفش. بيئة يعنى.. ما علينا. بعد أن أخذونى من التاكس، انصرف السائق دون أن يسألنى عن الحساب. انصرف بسرعة بمجرد أن سمح له الضابط. وكنا فى شارع فيصل، بالضبط عند شارع العشرين، شاهدت أمين شرطة يوقف ميكروباص. يطلب من كل الراكبين النزول، ونزلوا. سمعته يقول للسائق.. «كل مشوار يا... أمك ح نقبض على اللى معاك لحد ما تبيع العربية. علشان تبقى تاخد منى أجرة بعد كده».
أذهلنى أن الميكروباص كان قديما جدا، يجب فعلا على صاحبه أن يبيعه، دون حاجة لكل هذا العناء من الشرطة.

الضابط الذى كان يقود الكمين تلك الليلة، كان مختلفاً عن الذى قبض على تامر. كان له وجه جميل مثل وجه المطرب هانى شاكر، وكان برتبة ملازم أول. أخذنا إلى قسم البوليس دون شتائم أو إهانات. تركنا نتصل بمن نشاء من أهلنا. قال لنا إننا سنخرج بسرعة. وأحسن حاجة فى التحقيق ألا نتكلم. وقال أيضا اللى يعرف حد قريبه مهم ممكن يتصل بيه. كان أمناء الشرطة الثلاثة الذين معه ينظرون إليه فى غيظ. وأنا كنت مندهشا جدا. وسألت أحد أمناء الشرطة وأنا فى ذهول:
- طيب ايه لازمته القبض علينا؟
قال:
- ما هو الضابط لازم يعمل شغل.
سمعت الضابط وهو يتجه إلى سيارته الجيب الصغيرة ليركبها يقول فى غيظ مكتوم«ديك أم دى شغلانة» فكرت أن هذا ضابط غير طبيعى، ثم أدركت أنه على الاتصال بسرعة بأمى لتطلب ابن عم أبيها عضو مجلس الشورى عن طريق أختى التى تم طلاقها منذ أسبوع والآن تعيش معنا. ندمت لأنى لا أحتفظ برقم قريب أمى. المدهش أنها على كثرة ما جعلتنى أطلبه من موبايلى لم أفكر بالاحتفاظ برقمه. دائما كانت تخرج ورقة صغيرة من تحت السوتيان فى صدرها بها الرقم تعطيها لى فارسل الـ call missed فيطلبنى هو.

كانت الساعة تقترب من الثانية صباحا. قام ابن عم أمى بالواجب. جعلنى المأمور أجلس أمامه فى غرفة مكتبه حتى تنتهى إجراءات خروجى. لم يسألنى أى سؤال. بدا متجهما يكتم غيظا غير مفهوم. جاءته مكالمة على الموبايل فرد عليها.

«حاضر يا فندم» قال فى ضيق واستسلام. جاءته مكالمة أخرى على التليفون العادى فرد عليها بغيظ مكتوم أكثر «حاضر يا فندم» ثم جاءته مكالمة ثالثة على الموبايل فتردد منزعجا ثم رد عليها «حاضر يا فندم» المأمور له وجه أبيض منتفخ ازداد انتفاخه من الغيظ وطق من عينيه شرر أخافنى، ثم صرخ فى العسكرى المراسلة الواقف عند الباب.

- إنت يا زفت. نادى لى نيلة الظابط فؤاد..
لم يكن فؤاد غير الظابط الذى قبض علينا. خرج العسكرى بسرعة وبدا المأمور ذاهلا عن وجودى فراح يدور فى الغرفة الواسعة حولى وحول مكتبه. دخل فؤاد فصرخ فيه المأمور:
- لحد إمتى ياحضرة الظابط تسبب لى المشاكل؟
ارتبك الظابط فؤاد للحظة. وبدأ هو أيضا ذاهلا عن وجودى، لكنى لمحت ابتسامة خبيثة تكاد تتخايل على شفتيه وواصل المأمور صراخه.
- ميت مرة أقولك تاخد الموبايلات من المتهمين. تسيبهم يتصلوا بقرايبهم ويشوفوا لهم واسطة وأخرجهم أنا. دا ما بقاش قسم بوليس. دا مكتب تخديم!
واتجه إلى مكتبه يجلس بينما الضابط فؤاد لا يتكلم. بعد أن جلس المأمور هز رأسه وقال:
- وشرف أمى ما انت نافع فى الشرطة. يخرب بيت أم الأغانى اللى بتألفها دى. ولا ح تنفع فى التأليف. اتفضل يا حضرة الظابط ما تورنيش وشك هنا لحد ما أشوف نهاية للخيبة بتاعتك.
خرج الضابط فؤاد من الغرفة غير متأثر، وأنا ضاعت شهيتى للقهوة. لحظة ودخل ظابط آخر نحيل وطويل أدى التحية للمأمور وقال:
- فيه يا فندم متهم فتح دماغه.
نظر إليه المأمور فى قرف. واصل الضابط الكلام.
- ضرب يا أفندم رأسه فى الوتد اللى فى أرضية التخشيبة اللى مربوط فيه من رجليه.
قال المأمور فى قرف أكثر:
- وبعدين؟!
- المتهم غرقان فى دمه يا أفندم..
كانت هذه أول مرة أعرف إن فى التخشيبة أوتاد يربط فيها المتهمون. وحمدت الله أن لأمى قريبا فى مجلس الشورى حتى لو لم أسمع به من قبل، وكنت ساعة تم القبض على أفكر أن ذلك حدث جزاء ما فعلت من بيع للوظيفة وللحجة، وأيضا لأننى كنت صرفت فى سهرتى بأركاديا مول خمسمائة جنيه، وهو تبذير لا يفعله إلا شيطان، رغم أن من كانوا معى صرفوا أكثر. وقف المأمور وسأل الضابط.

- يعنى مات؟
- لسه شوية يا افندم. بس إصابته جامدة قوى.
- ارميه بره ابن القحبة ده مش ناقصين جرايد.
خرج الضابط بينما أنا جالس فى مكانى لا ينتبه لى المأمور. لم أشرب القهوة حتى الآن وهى أمامى. انتبه المأمور لوجودى.
- إنت بتعمل ايه هنا؟
- حضرتك يا فندم طلبت منى انتظر لحد إجراءات خروجى ما تنتهى.
صرخ فى وجهى:
- بره. بره.
وأشار إلى الخارج. تركت فنجان القهوة وخرجت مسرعا.
على باب القسم وجدت تامر واقفا بملابسه الداخلية غارقا فى دمه يصرخ فى أمين الشرطة الواقف عند الباب «الموبايل يا أولاد ديك الكلب» ويكررها أكثر من مرة.
أمين الشرطة كان ينظر إليه ضاحكا ولا يرد. تأثرت من مشهد تامر الذى يشخب الدم من رأسه على وجهه فاقتربت منه. أمسكت ذراعه فى رفق.
- ياللابينا من هنا. تعال معايا نروح أقرب مستشفى بسرعة. ألحقك الأول وبعدين نشوف مسألة الموبايل.
فجأة ظهر أمين شرطة آخر عند الباب وألقى على تامر كومة ملابس وقال ضاحكا:
- خد ياسى تامر هدومك وبطاقتك فى البنطلون والموبايل كمان. علشان ما تزعلش.
ساعدت تامر على ارتداء ملابسه فى الشارع ومشينا بهدوء مبتعدين عن قسم البوليس. أشرت إلى تاكسى فلم يتوقف، وتاكسى آخر فلم يتوقف. فجأة وقفت جوارنا عربة ملاكى صغيرة فيات 127 قديمة يشير سائقها إلينا بالصعود. لم يكن السائق غير الضابط فؤاد.
لم يكن تامر تقريبا مدركا لما حوله. فتحت الباب الخلفى فدخل وجلست أنا جوار الضابط فؤاد.
الذى قال:
- أنا لازم أسيب الخدمة دى. وبسرعة قبل ما يفصلونى.اسمعوا أنا ح أوديكم المستشفى لكن ما حدش يجيب سيرتى.
ثم قال لتامر.
- أحسن حاجة يا أخ تامر تقول إن عصابة حرامية طلعت عليك قلّبوك وضربوك وعوروك كده وإنك مش فاكر حد منهم.
فوجئت بتامر يطلب وقوف السيارة. توقف الضابط فؤاد مرتبكا. نزل تامر وقف جوار النافذة يصرخ فينا.
- يعنى عايزنى أسيب حقى.. باعتين ورايا الظابط يضحك عليا وياخدنى المستشفى وأشار إلى وإنت كمان أكيد بتشتغل مباحث معاهم.
تركه الضابط فؤاد فى الطريق وأسرع بالسيارة. قال.
- لو شاف قفاه مش ح يقدر يثبت إنه دخل القسم. وبعدين أحسن اللى عمل فينا كده. لو كنت رحت إنت معاه المستشفى كنت ح تقع فى سين وجيم.
لم أعرف ماذا حدث بعد ذلك لتامر. لم أقابله فى أى مكان لكن لن أنساه، ولعله لم ينسنى. لا أنسى صورته ولأنه بعد أن تحرك الضابط فؤاد بالسيارة سمعته يقول بصوت عال:
- أنا مهندس وانتم ضباط وح شوف مين اللى ح يكسب فى الآخر.
أنا سعيد إن الأخ تامر بخير، وأتمنى أن يكون أدرك الآن، بعد كل هذا الوقت، أننى لست من رجال المباحث، وأن الضابط فؤاد كان يود فعلا توصيله للمستشفى.
الضابط فؤاد. الآن لا يغادر مبنى الإذاعة والتليفزيون. بعد أن ترك الخدمة فى البوليس يعرض أغانيه على المطربين والمسئولين. قابلته منذ عدة شهور صدفة فى مقهى وذكرته بنفسى وبتلك الليلة السوداء فضحك بقوة، وعرف أنى أعمل محاسبا حرا، فطلب منى أن أكون المحاسب الخاص به أمام الضرائب. كيف أصبحت محاسبا حرا. هذه حكاية أخرى بطلتها أمى أيضا، وقريبها.. واعذرونى كنت أريد أن أحكى لكم فقط كيف قابلت تامر وأكمل لكم ما لم يذكره هو فوجدت نفسى أحكى حياتى. ياريت يعجبكم.
«لن يعجب أحدا. واخدنا عمال تلف وتسرح بينا علشان تبعد عن الموضوع الأصلى. يا أنا يا أنتم فى الموقع. إنت واللى مسمى نفسه لبيب بارع».
هكذا قال تامر لنفسه مساء السبت، بعد أن أعاد قراءة ما كتبه لبيب بارع وصابر عيد خمس مرات منذ الصباح وعلى أوقات متباعدة..
«سأبدأ أولا بلبيب بارع بعدها مش ح يكون لوجود صابر عيد معنى» قال لنفسه أيضا. وإمعانا فى احتقارهما قرر أن تكون دعوته للجروب لطردهما ليست عن طريقه مباشرة. بل عن طريق خميس جمعة. فتح صفحة الإيميل على رسالة جديدة وكتب..
From:tconnection @ hotmail.com
To: khameesgomaa @yahoo.com

اختراق الموقع :subject
ما كتبه من يسمى نفسه صابر عيد لم يحدث. لم يحملنى ضابط فى سيارته وبالتالى لم أنزل منها. لم أقابل هذا الشخص تلك الليلة. هو يريد تجميل صورة ضباط البوليس. أنا فعلا أصبت إصابات بالغة فى رأسى، لكن من فعل ذلك هم أمناء الشرطة أمام الضابط الذى قبض على. أنا ذهبت إلى المستشفى عاريا إلا من ملابسى الداخلية. لم أحصل على ملابسى حتى الآن ولا الموبايل. هذه محاولة مكشوفة من الاثنين. الظابط بيسأل ليه حضرته فى البيت ملاك وفى القسم شيطان. قال يعنى مش عارف. عايز يجيبها فى المجرمين. وسى صابر بيكلمنا عن ظابط زى هانى شاكر. يا سلام. ناقص يغنى كده برضه ياقمر. سأحكى لكم بالتفصيل فيما بعدما جرى تلك الليلة. وبالمناسبة نشرت الصحف المعارضة والمستقلة الوقائع كاملة فى حينه. طيب ليه ما أخدتش حقى؟ هذا ما سأكتبه فيما بعد كما قلت. الآن فقط أحب أنبهكم أن الضابط لبيب بارع قال إنه قد غير اسمه حتى لا تعرف وزارة الداخلية والحقيقة أن يريدكم أن تقولوا أنه لا يمكن أن يكون ضابطا وتطمئنوا.

الحقيقة أنه ضابط وأخذ تصريحاً من وزارته يشترك فى الموقع. صابر عيد أيضا ضابط. لأنه ببساطة مافيش عضو مجلس شورى ح يتصل بعد منتصف الليل.. لإنقاذ أى أحد. حكاية كلها كذب. باختصار هناك ضابطان الآن فى الموقع. إذا كانت صاحبته قبلتهما علينا أن نجبرها على شطبهما. وإخراجهما من الموقع. وقعوا على هذا الإيميل وسنرسله إليها لتفعل ما تريد توقع أول:............ تامر.

لم يتوقع تامر استجابة سريعة من الجروب. كان يعرف أنه من الطبيعى أن يفكر الجروب فى طلبه، حتى لو وقت يقرأوه كلهم. كما أن خميس جمعة قد لا يفتح الإيميل الليلة أيضا. قرر أن ينتظر يومين. وليس أكثر. خلالهما لم يعرف أن خميس جمعة حين قرأ رسالته أصابه الرعب. هل هكذا يكون العمل؟ هل هكذا يكون الانتقال من حالة الديليت إلى حالة الفوروارد؟ يطلب من الأعضاء أن يطردوا ضابط البوليس.. أو ضابطين كما يقول تامر؟. ماذا يمكن أن يحدث له لو فعل ذلك؟ سيستولى الضابط على سيارته كل يوم يقومون بها بحملات وضبطيات للمجرمين. وح يتخرب بيته. الأفضل ألا يفعل ذلك. ماله الديليت؟. فيه راحة أكثر من كده؟ لكن لم يدلت رسالة تامر. قرر أن يقرأ صفحات المشتركين الجدد. هذا أفضل..

الاســم: نهى وبس
تاريخ الميلاد: 1/1/1970
محل الميلاد: القاهرة مصر الجديدة
الديانـة: مسلمة
التعليم: ليسانس أداب لغة إنجليزية
العمـل: مضيفة جوية
الإيميل: noha only @ yahoo.com
أعجبتنى فكرة أن يكون الانضمام للمدونة يوم الجمعة فقط. بالنسبة لى تجرى الأيام بسرعة. فأنا تقريبا لا أعيش على الأرض. تعبت من التجوال فى العالم وبين نساء العالم. انضم إليكم لعل من بينكم إنسانة شجاعة لا تعتبر العلاقة بين النساء شذوذا. الليزبيانز الآن لهم فى الدنيا وجود كتير. آلاف الكتب تؤلف عنهم. عشرات المؤتمرات تقام لهم. باختصار أنا سحاقية. وهذا هو نشاطى لذلك لم أكتب فى بياناتى خانة للنشاط. بالمناسبة لماذا تفعلون ذلك ما دمتم دائما تتركونها خالية؟ المهم. هل تنضم لى واحدة شجاعة منكم. يكفى غربة».
أطفأ خميس جمعة الجهاز على الفور. ليس يوم السبت يوما جميلا أبدا...









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة