شهران.. أو ثلاثة وستتجاوز مصر حادث تفجير منطقة الحسين، هذا ما أكده بكل ثقة "زهير جرانة" وزير السياحة! أما من أين جاء الوزير بهذه الثقة بتجاوز الأزمة فى بحر ثلاثة أشهر لا أكثر؟ فالإجابة جاءت بسلاسة ضمن بقية تصريحات الوزير بهذا الشأن، حيث قال إن مصر كانت تحتاج إلى عام ونصف العام فيما سبق لتجاوز محنة مثلها، لكن فى حادث تفجير الأزهر عام 2005 استغرق الأمر شهرين لا أكثر!.
تماماً كمن يترك الرأس ويمسك بالذيل! الثقة التى انطلق منها حديث سيادة الوزير، لا أساس علمى لها، تماماً كالتصريحات التى خرجت بأن الحياة عادت طبيعية فى مكان الحادث فى اليوم التالى! لكن الأفظع أن قطاع السياحة فى مصر يدخل بسرعة رهيبة إلى نفق أزمة لا يعلم مداها إلا الله، لا أفق زمنى لها، والسبب بالطبع هو الأزمة المالية العالمية. القطاع الذى راهنت عليه مصر بقوة طوال السنوات الماضية ـ ولها الحق فى ذلك ـ لكنها لم تعطه حقه على الإطلاق، نسيت الدولة ـ أو تناست ـ أن السياحة هى اقتصاد خدمى بالأساس وليس منتجا، وأنه شديد الحساسية للأحداث الإقليمية والعالمية، وأنه فى لحظة قد يتحول كل ما تم استثماره فيه وكأنه لم يكن، الدولة لم تستعد للحظة مثل هذه، برغم كل الأحداث المؤسفة فى السنين السابقة، والتى دفع ثمنها العاملون فى السياحة بالأساس، فالمستثمرون الكبار، يخرجون من كل أزمة بحزمة تنازلات حكومية، تجعلهم يكملون استثماراتهم بعد تجاوز الأزمة بقلبٍ مطمئن، ووحدها العمالة تدفع الثمن، وكمجرد مثال، تحولت عقود العاملين فى مدينة شرم الشيخ ـ الأكثر شهرة ـ إلى عقود مؤقتة، بعد حادث تفجيرات شرم الشيخ فى يوليو 2005، بعد أن كانت هذه العقود تتحول إلى عقود غير محددة المدة طالما تم تجديد العقد للعامل بعد السنة الأولى، لكن إرضاءً للمستثمرين كانت هذه العقود هى كبش الفداء.
المستثمرون يتضررون بالطبع من تدهور التدفق السياحى، والحكومة تريد أن تشترى بقاء استثماراتهم، لكن فى الواقع هم بالفعل يحققون مكاسب هائلة طالما المواسم السياحية مزدهرة، لا تضاهى تشغيلهم لعمالة مصرية، لأن هذه العمالة فى الحقيقة لا تحظى بمعاملة مثيلاتها فى الشركات نفسها، فى فروعها بالدول الأخرى، كما أن هذه العمالة يمكن التحايل على حقوقها القانونية بطرقٍ شتى. وللأسف ترد العمالة الكيل مكيالين بعدم انتمائها للمهنة وللقطاع، وهو ما يدفع ثمنه المستثمرون أولاً، بافتقادهم للعمالة المحترفة الكافية لتغطية التوسع فى هذا القطاع الواعد دوماً، وتدفع ثمنه مصر ثانياً، بحرمانها من توظيف حقيقى لطاقاتها فى مجال السياحة.
مصر لن تتجاوز الأزمة فى شهرين أو ثلاثة، وربما عامين أو ثلاثة، زيارة ميدانية للمناطق السياحية تمنح إدراكاً حقيقياً للخراب الذى عم. المشهد نفسه يتكرر مع كل تفجير فى دهب، أو شرم الشيخ، أو طابا، أو الحسين، السياحة فى مصر جسد إذا تألم فيه عضو مرض بقيته، ودفعنا كلنا الثمن.. يا سيادة الوزير.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة