يبدو أن مقال "أردوغان.. عاقل أم مجنون؟!" قد أثار تساؤلات لدى بعض القراء كما أدى، على ما يبدو، إلى بعض سوء الفهم لدى البعض. لهذا رأيت ضرورة التوضيح احترامًا لجميع القراء.
لقد أثبت رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان، أن الدبلوماسية "العقلانية" التى يعلن المسئولون العرب أنهم ينتهجونها، والتى تمنعهم من اتخاذ مواقف مشابهة لموقفه الشجاع فى منتدى دافوس، ليست هى الوحيدة القادرة على تحقيق مصالح أى دولة عربية والحفاظ عليها. هناك طرق أخرى بعيدة عن "الجنون".
تمنيت فى المقال السالف ذكره ومازلت، إن كان السيد عمرو موسى هو الذى اتخذ هذا الموقف. ولم تكن الأسئلة المطروحة على أردوغان من باب التهكم، بل على العكس من منطلق التأكيد على أن موقفه ذاك كان موضع تقدير دون أن يمس مصالح تركيا الإستراتيجية بأى ضرر.
فمن البديهى أن موقف أردوغان مهما بلغ من قوة وتأييد تركى وعربى، لن يلغى اعتراف تركيا بدولة إسرائيل ولن يؤثر سلباً على العلاقات الإستراتيجية بين أنقرة وتل أبيب. كما أن العلاقات التجارية والاتفاقات العسكرية الضخمة بين البلدين لن تهتز. بل أن أردوغان يعلم جيداً أن أوراق أنقرة لا تقل قوة، إن لم تزد، عن أوراق تل أبيب. وهو يعلم من منطلق قوة أن من المصلحة القصوى للأخيرة ألا تسمح بأى ما يهدد استمرار تلك العلاقات. كيف لإسرائيل أن تفرط فى أكبر مستورد لصناعاتها العسكرية، حليفها الإستراتيجى فى المنطقة؟! لذلك لم يخشَ أردوغان على مصالحه ولم "يرتعش" إطلاقاً من تحذيرات الصحافة الإسرائيلية. فما تلوح به إسرائيل من انخفاض عدد السائحين الإسرائيليين إلى تركيا لا يعنى شيئاً على الإطلاق إذ أن تركيا تستقبل أكثر من 26 مليون سائح سنوياً ليس بينهم إلا 500 ألف إسرائيلى.
من البديهى أن نتأكد أن أردوغان لم يغامر بعلاقته مع واشنطن ولا مع تل أبيب، ومن البديهى أن نفهم أن انسحابه من جلسة دافوس كان من منطلق قوة وليس من منطلق مغامرة، ومن البديهى أن نرى أننا على المستوى الشعبى كنا فى تعطش لمثل هذا الموقف لنرضى شعورنا بالعزة والكرامة ومن البديهى أيضاً أن نتعلم من أردوغان أن الحفاظ على مصالحنا العليا لا يتعارض مع اتخاذ مسئولينا مواقف مماثلة تعبر عن سخطنا ورفضنا، إذاً من البديهى، إذا ما قارنا بين "العقلانية العربية" التى لا تلتفت إلى مشاعر شعوبنا و"العقلانية الأردوغانية" التى جعلتنا نلتف حولها، أن نستنتج أن أردوغان الذى عبّر عن شعبه وشعوب العرب وكسب تأييدهم دون المساس بمصلحة بلده، من أعقل السياسيين فى المنطقة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة