كقبلة دافئة تسكن القصيدة فى قلب الحبيبة
كابتسامة الرضا يضىء بيت الشعر على شفاه الحبيب
فى الحب يلتقى الحبيبان والشعر ثالثهما وملاكهما الحارس، إن لم يدركه اللسان فاضت به العيون، وامتلأت به الشرايين، وارتعشت بفعله اليدان، وفى كل عام يأتى يوم 14 فبراير الذى نحتفل فيه بعيد الحب، فتكتسى الدنيا بالورود، وينتشر العشاق فى أرض الله الواسعة بلا حدود، وكأن مناد ينادى فى السماء: أيها العشاق هذا يوم الحب، فأحبوا، من بوابتى الملكية ادخلوا، اثنين اثنين، هذه مأدبتى التى تتسع للجميع.
أول الحب إدمان النظر، والعين كما يقولون مرآة الروح، ترى العاشق يتجه ببصره أنى يذهب المحبوب، وكأنه زهرة عباد الشمس، أينما ذهب يولى وجهه شطره، لا يرى المحب لعينه فائدة إلا فى الاتساع لرؤية عشيقه، يفتحها كما لو كان يريد أن يدخله فى جوفها، أو يغلقها كأنما يريد أن يحتفظ به إلى الأبد.
نظرة إثر نظرة، والقلوب تفيض، دمعة إثر دمعة والجوارح تنتفض، هو الحب إذن ولا شىء غيره، هو الدرب الذى يعبر من خلاله العشاق إلى فضاء الحياة بمعناها الأكمل والأجمل، هنا لا وجود للحسابات 1 + 1 = 1 فما الحب إلا التماهى فى الحبيب، هنا تلغى الخرائط والحدود والمحظورات، هنا جنة لا مثيل لها، والعقاب الوحيد هو الحرمان من الحب.
كل ما فى الحبيب محبوب، وكل ما يمت له بصلة مُشْتهى، اسمه، لونه، بلدته، عاداته، يقول «المجنون»: أحب من الأسماء ما شابه اسمها أو قاربه أو كان منه مدانيا «ويقول» أرانى إذا صليت يممت نحوها وإن كان المصلى ورائيا».
الحب هو المسافر والطريق، هو البعيد وإن كان قريبا، هو المشغول بالفتنة والشاغل للقلب، هو القاسى والحانى، هو الرؤوف والجبار، هو المنعم والمانع، كل الأشياء تتجمع بين يديه، قلوب العاشقين لها عيون ترى ما لا يراه الناظرون، تطوف القلوب حول الحب فلا تدرك بدايته ولا منتهاه، رحلة الحب قاسية وممتعة، لا سلطان على العاشقين إلاه، ولا يشد الرحال إلا له.
للعلامة الفقيه «ابن حزم الأندلسى» كتاب بعنوان «طوق الحمامة، يشرح فيه أحوال المحبين، ويؤسس من خلاله مشروعية الحب بين الناس، ويصف علاماته وطرائقه، يقول فيه إن المحب يصطفى حبيبه من بين الناس بلا رغبة منه أو إرادة، يحب حديثه ويميل إليه رغما عنه، كما لو كان مشدودا إليه بحبل سرى، يصدقه وإن كذب، ويوافقه وإن ظلم، ويشهد له وإن جار، ويسرع بالسير نحوه أنّى وجد، يستهين بكل ما يبعده عنه، وإن رأى المحب حبيبه يفاجأ به حتى لو كان يتوقع رؤيته، ويضطرب كلما سع اسمه أو رأى من يشابهه.
وإذا استعرت نار الحب وتأجج حريقه ترى فى أحوال المحب علامات تكاد تشبه الجنون، فتجده لا يهدأ على حال، ينبسط بلا سبب وينقبض بلا علة، يقبل على الطعام أو يمتنع عنه، يميل إلى الوحدة ويأنس بالانفراد، يشبك ليله بنهاره، ودموع شوقه لا تفارقه.
يقول صلاح عبدالصبور: حديث الحب يوجعنى ويطربنى ويشجينى/ ولما كان خفق الحب فى قلبى هو النجوى بلا صاحب/ حملت الحب فى قلبى.. فأوجعنى.. فأوجعنى/ ولما كان خفق الحب فى قلبى هو الشكوى إلى الصاحب/ شكوت الحب للاصحاب وللدنيا، فأوجعنى وأوجعنى» إذن فى الحب لا بد من «وجع» لكن آلام الحب مرغوبة من الجميع، ونسير إليها كما البوذى إلى أعماق النار يسير.
بعد أيام سيأتينا عيد الحب، فلنجعله يوما ننسى فيه ما نعانى منه بقية العام، لنرتاح من حروبنا، وضجيجنا، لنأنس بأنفسنا وبأحبائنا، ليتفرغ كل عاشق لمعشوقه، وليؤدى كل منا واجبه تجاه من يحب، ومن لم يجد ما يحبه فليخترعه، فالحب فى الأرض كما يقول نزار قبانى «بعض من تخيلنا لو لم نجده عليها لاخترعناه» يتساوى فى هذا حب الأم لأطفالها، والحبيب لحبيبته، والولد لأبيه، والجار لجاره، والمواطن لوطنه، ولو فتشنا فى صفحات التاريخ سنعرف أن الحب هو المفتاح السحرى لمن يدخلون إليها، كل على قدر حبه، من أحب بيته فهو آمن، ومن أحب وطنه فهو آمن، ومن أحب حبه فهو آمن.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة