هذا حديث ومجرد ثرثرة للفضفضة عن بعض التعبيرات والمصطلحات المتداولة بيننا، وفى الصحافة وعلى شاشة التليفيزيون، فإذا كنت مثلى مولعا بفضائح ذوى النفوذ من الحكام والمشهورين فى بلدنا من مرتزقة كرة القدم والإعلام الفاسد وكتاب مدح الحكام والحكومة فى صحف ومجلات لا يقرأها أحد ولا حتى أولادهم وتجار النضال فى الأحزاب الكرتونية أو بائعى ضمائرهم على قناة الجزيرة، أن تكون مثلى مولعا بفضائح هؤلاء وغيرهم من الطفيليات التى تعلق بجسد الشعب المصرى تمتص دمه بكل الوسائل المتاحة لهم وبأى وسيلة تتفتق عنها أذهانهم الانتهازية العفنة، أن تكون مثلى مولعا بتتبع فضائح هؤلاء على الفضائيات أو الصحف أو حتى رسائل الموبايل والبلوتوث شماتة فيهم وإحساس كامن داخلى بالرغبة العارمة فى تجريسهم شعبيا وتصفيتهم معنويا، فلابد وأن تتابع كل الفضائيات والصحافة الناطقة بالعربية ورسائل الموبايل والبلوتوث التى يرسلها دائما لى صديقى المخرج السينيمائى الكبير المولع أكثر منى بفضائحهم ويحرص دائما على إرسالها بالموبايل لجميع أصدقائه.
والسبب الرئيسى لمتابعتى الفضائيات والصحافة الناطقة بالعربية هو هذا الولع الشديد بتتبع فضائحهم، أما تتبع الأحوال والأخبار الحقيقية الصادقة والمفيدة فلا وجود لها فيها لتمتع هذه الصحافة والفضائيات العربية بأكبر نسبة عالمية فى قمع الآراء والحريات الصحفية والإعلامية ويمكن متابعة الأحوال والأخبار الصادقة المحترمة فى أماكن أخرى غير فضائيات وصحف كل الأنظمة العربية، أصحو من نومى على مشاهدة المرناء الذى هو التليفزيون كما عربوه، وأقرأ بعض الصحف الأجنبية فى الإنترنت، التى هى الشبكة العنكبوتية، كما عربوها، مستخدما الكومبيوتر، الذى هو الحاسوب، كما عربوه، حيث تكون يدى تقبض على الروموت كنترول، الذى هو جهاز التحكم عن بعد، كما عربوه، ثم أبدأ فى قراءة كل الصحف المصرية الورقية فما زال فى داخلى الإنسان نفسه دقة قديمة الذى يحب قراءة الكلمة المكتوبة المطبوعة على الورق، وبالذات أثناء تناول طبق الفول بزيت الذرة والطحينة المقرر على كل صباح، وسوف تكتشف مثلى مسألة هامة وخطيرة رغم أنها مسألة بديهية، وهى أن كل أمور حياتنا تحمل أسماء وتعبيرات يتم تعريبها بداية من الأطعمة التى نأكلها.
وانتهاء بكل الأدوات الحضارية اللازمة للحياة والثقافة والمعرفة، فكان لا بد لتسمية الأطعمة والأدوات بأسماء عربية فنحن نأكل ما نسميه الإسكالوب بانيه بدلا من قولنا قطعة من اللحم المقلى بالبقسماط، وإذا كانت القطعة من لحم الدجاج قلنا تشيكن بانيه، وخذ عندك، لو شاءت ظروفك أن تتناول الطعام فى أحد المطاعم فإن عليك أن تذاكر جيدا أسماء الأطعمة المتداولة فى المطاعم، وسوف تجد نفسك فى حاجة ملحة للرجوع إلى قاموس لغة أجنبية ما قبل أن تتورط فى هذه التجربة غير المضمونة العواقب، لأن أساتذتنا الأفاضل الذين يقومون بالتعريب لا يحبون تناول هذه الأطعمة أكثر من حبهم لهبر اللحم والفتة بالثوم والخل أو الكوارع التى هى أرجل الحيوانات المسموح شرعا بهبرها أو طاجن العكاوى التى هى ذيل البهيمة لا مؤاخذة، والكوارع والعكاوى ولحمة الراس إذا كانت من صنف الكندوز الملبس فإن صديقنا العزيز الشاعر الكبير نجيب شهاب الدين يسميها "إكسسوارات البهيمة" وإذا كانت من صنف العجالى فإن نجيب شهاب الدين يسميها "إكسسوارات البيبى بتاع البهيمة"، ولما كان نجيب شهاب الدين فى الأصل من "تلا منوفية" وقد عاش فى فرنسا سنوات طويلة وعاد دون أن يتحدث الفرنسية فهو يحتار كثيرا وتشغله أكثر الترجمة العربى لأسماء الأكلات الغربية التى لا يحبها.
يرجع مرجوعنا للحديث الذى بدأناه عن بعض التعبيرات المتداولة على شاشة التليفزيون وقد فوجئت هذا الصباح بمجرد أن ضغطت على الروموت كنترول بفتاة جميلة صغيرة السن تصرخ فى رجل مفتول العضلات قائلة: "تاخدنى غصب آه.. لكن بإرادتى لا"، فسألت نفسى عن المكان الذى يريد هذا الرجل أن يأخذها إليه غصبا عنها؟ وهل هذه الفتاة الجميلة الصغيرة السن تريد منه أن يأخذها عنوة، لأنها تستعذب الألم ولا تكتمل متعتها إلا إذا أخذوها بالقوة؟، فهى لم تمانع ولم ترفض أن يأخذها بالغصب عنها، بل كانت موافقة على أن يأخذها بشرط أخذها بالقوة، ثم اكتشفت أنه إعلان عن فيلم جديد، تبعه مباشرة إعلان عن فيلم جديد آخر كانت فيه البطلة هذه المرة ليست فتاة صغيرة، بل كانت امرأة ناضجة كاملة الأنوثة، وكانت مستلقية على السرير بقميص نوم ملتصق بجسدها وهى تتلوى وتصرخ وتتأوه من ألم ما فى منطقة ما من جسدها، لكنه كان ألم يختلط بمتعة على ما يبدو فيما كان يقف فى مواجهتها الرجل الكبير الوقور الذى تعدى سنه السبعين وهو يصرخ فى المرأة المستمتعة بالألم قائلا: "خليه يلعب جامد عشان يعرف يسجل"، ولم أعرف طبعا من الذى كان يلعب ويريد الرجل الوقور من المرأة أن تتركه يلعب حتى يستطيع أن يسجل، لا أين يوجد المرمى الذى سوف يسجل فيه.
ومما لا شك فيه أن الرقابة على المصنفات الفنية قد سمحت بهذا الإعلان عن هذا الفيلم بهذه الطريقة الفجة على اعتبار أن هذا مجرد مشهد من الفيلم الذى أجازته الرقابة، بالتأكيد فإن الرقابة على المصنفات لم توافق على هذا الابتذال، بل وافقت على هذا المشهد داخل سياق معين ثم جاء الجهبذ الذى صمم هذا الإعلان المسف، واجتزأ هذا المشهد من السياق مبتعدا عن المعنى العام الذى جاء فيه هذا المشهد فى الفيلم، وهو باجتزائه هذا الجزء من سياقه العام فقد غير المعنى الذى يصل للمشاهد بمعنى آخر لم يأت فى السياق العام للفيلم، بعد هذين الإعلانين عن الفيلمين جاء إعلان القناة الفضائية المتخصصة فى كرة القدم عن برنامج رياضى من إنتاج القناة نفسها، وللإعلان عن هذا البرنامج قالوا بأنه سوف يقدمه واحد من لاعبى كرة القدم المعتزلين وأحد الصحفيين العاملين بالنقد الكروى، وظهر الصحفى الذى هو ناقد رياضى معروف وهو يرتدى اليونيفورم الخاص بالقناة وبكل وقار وإحساس كامل بالمسئولية موجها حديثه الوقور بجدية يحسد عليها لكل المشاهدين قائلا: "... وسوف نحضر لكم كل الأسرار بأمانة"، والمقصود طبعا كل أسرار الأندية ومجالس إدارات الأندية، وكل أسرار اللاعبين الشخصية، وطبعا لن ينج منه الحكام وسوف يكون البرنامج حريصا على إذاعة كل الأسرار بمنتهى الأمانة، فأى أمانة فى إذاعة الأسرار؟ وهل مهمة الصحفى والناقد الرياضى الحصول على الأسرار الخاصة أم الحصول على الأخبار وتحليلها بما يفيد المشاهد؟ أفهم أن يقول الصحفى أنه سوف يحضر لنا الأخبار بأمانة أما الأسرار فهى ليست مهمته.
كما أن إذاعة الأسرار ليست من الأمانة فى شىء، ليست مهمة الصحفى المحترم النبش فى الأسرار وإذاعتها، بل مهمته المقدسة هى نقل الأخبار بأمانة حتى لو كان هذا الخبر سرى على البعض فيجب إعلانه على الجميع ولا يكون الخبر سرا إذا كان مصدره معروفا حتى ولو لم يعلن الصحفى عن مصدره الذى أعطاه الخبر، أما أن يذيع الصحفى سرا وينسبه إلى مصدر رفض ذكر اسمه على أنه سر حصرى لا يعرفه إلا هو فيكون فى هذه الحال مجرد خبر كاذب ملفق يستحق من أذاعه أن يتلقى عقابا صارما من القاضى الطبيعى فى المحكمة التى يجب أن يمثل أمامها كل من يشيع خبرا كاذبا على أنه سر حصرى، نحن فى حاجة لمراجعة بعض المصطلحات والتعبيرات المتداولة فى الإعلام وفى حياتنا كلها حتى لا تصبح إذاعة الأسرار الشخصية الكاذبة هى المهارة الصحفية كبديل عن الأخبار الحقيقية التى يخفيها أصحابها عن الناس فسوف يبقى مصطلح الأسرار يختلف كليا عن مصطلح الأخبار.
•كاتب وروائى مصرى
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة