صحيح أن المآذن ليست من صلب العقيدة الإسلامية، ولكن الصحيح أيضا أن رفض أغلبية الشعب السويسرى لبنائها من المحتمل أن يكون بداية انتهاكات محتملة مستقبلا تجاه المسلمين، بل وتجاه الحريات الفردية بشكل عام.
الصدمة فى هذا الاستفتاء لها سببان، الأول أن هذه المجتمعات استقرت فيها الحريات الفردية، بما فيها حرية الاعتقاد، طالما أنها لا تعتدى على حريات الآخرين، وطالما أنها لا ترتبط بدعوات عنف وعنصرية.. بل وأصبح جزء من عقيدة هذه الشعوب استحالة وجود حريات عامة دون حريات فردية حقيقية، بل ومن المستحيل وجود تقدم حقيقى دون الحفاظ على هذه الحريات الفردية. وبناء دور العبادة، أيا كان شكلها، هو جزء أصيل من هذه الحريات.
فلماذا كل هذا التقديس للحريات الفردية؟
لأن هذه المجتمعات قطعت شوطا طويلا فى بناء الدولة، واكتشفت بعد أن دفعت الثمن غاليا، استحالة الاكتفاء بالسلطات التقليدية: التنفيذية والقضائية والتشريعية والصحافة والإعلام، أى السلطة الرابعة باعتبارها بشكل أو آخر رقابة شعبية على السلطات الثلاث. ولكن هذا غير كاف، فلابد من وجود مجتمع حيوى لديه القدرة الدائمة على ممارسة الرقابة والضغوط السلمية لتقويم كل هذه السلطات وتطويرها، وهذا مستحيل دون حريات فردية، حرية الرأى والتعبير والاعتقاد، وحرية التنظيم، أى تأسيس الأحزاب والجمعيات وغيرها.
لذلك فرفض بناء مآذن هو خطوة للخلف. والسبب الثانى فى الصدمة أن الحريات الفردية والعامة هى حق أصيل من حقوق الإنسان وبالتالى لا يجوز طرحها فى استفتاء عام، فحقوق الأغلبية مشروطة بعدم انتهاك حقوق الأقليات، بل ومشروطة بعدم انتهاك حقوق مواطن واحد.
ومع ذلك لا يجب أن يجرجرنا متطرفون هنا وهناك إلى النغمة السقيمة وهى عداء الغرب للإسلام، فالحريات التى يعيش فى ظلها المسلمون فى الغرب لا وجه لمقارنتها بحرياتهم الدينية فى دول ترفع راية الإسلام مثل إيران والسعودية.
ولذلك أنا مع الأصوات التى تنادى هناك فى سويسرا، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، بأن هذا الاستفتاء ليس نهاية المطاف، فيمكن اللجوء لمحكمة حقوق الإنسان فى الاتحاد الأوروبى، رغم أن سويسرا ليست عضوا فيه، ويمكن استمرار النضال السلمى من أجل إزالة تخوفات هذه المجتمعات من عداء الإسلام للحريات، وعداءه لطبيعة الدولة الحديثة فى عصرنا.
فهذه أكاذيب اخترعها اسامه بن لادن ومناصروه عندهم وعندنا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة