جذبنى من يدى إلى ركن بعيد، ثم تلفت حوله، وهمس فى أذنى: لو كنت تريد مقابلة أى أحد فبيتى تحت أمرك، حيث لا يراك أحد.
اندهشت وشكرته، ثم قلت له أنا صحفى وفى مهمة علنية وليس لدى ما أخفيه عنك أو عن أية جهة.
الرجل مثقف كبير تعرفت عليه فى دمشق عندما زرتها منذ حوالى عام، ونشأت بيننا مودة كبيرة، وكان هناك أحد احتمالين لما فعله، إما أنه مدفوع من جهاز أمنى للسلطة الحاكمة فى سوريا لينصب لى فخا، حتى يعرفوا ما يتصورون أننى أخفيه، فمن الصعب أن يصدقوا أننى مجرد صحفى قررت اليوم السابع أن يكون موجودا فى دمشق أحد أهم مراكز صناعة الأحداث أثناء العدوان الإسرائيلى الغاشم على غزة، حيث توجد منظمة حماس بقياداتها. والاحتمال الثانى أنه خائف على مما يمكن أن يحدث لى، وقرر أن يحمينى بهذه الطريقة.. وفى الحالتين فمن المؤكد أن العرض دليل حاسم على القبضة الأمنية الصارمة التى يعانى منها الشعب السورى.
لكن سوريا التى عشت فيها 7 أيام كاملة، لم تكن حزب البعث وبشار الأسد وأجهزته الأمنية، ولكنها هذا الشعب الدافئ الودود الذى يتمتع بمميزات استثنائية، منها حب الجمال، نسبة البدانة تكاد تكون معدومة، والاهتمام الوفير بالأناقة، ولا يتعلق الأمر بالمستوى المادى أو الاجتماعى ولكنه مزاج عام، فمن الصعب أن تصدم عينيك ألوان غير متناسقة أو إهمال فى الملبس، فالأمر ليس فخامة ولكن حس مرهف بالجمال.. وكأن البشر يتحولون على ورود تمشى على قدمين فى دمشق.
كما لن تجد إلا نادرا هذا العبوس المرسوم على الوجوه، رغم كل ما يعانى منه الناس، أزمات اقتصادية وغياب تقريبا كامل للحريات.. فهم يحبون الحياة، البسمة منتشرة فى كل مكان تذهب إليه .. فى المطاعم، ومحلات بيع الملابس، الفنادق، سائقى التاكسى، الكل مهتم بأن تكون مرتاحا، لابد أن يسألك أكثر من مرة عما تحتاجه، ويتأكد أن كل شىء تمام.
أضف على ذلك المهارة فى العمل هى المزاج السائد، فمن النادر أن تدخل أى مكان ولا تحصل على خدمة محترمة، ومن الصعب أن تدخل مطعم حتى لو كان بسيطا إلا وتجد المذاق شهى، ومن الصعب أن تشترى سلعة وتجدها مضروبة، فهناك ميل عام للإتقان.
السوريون شعب يستحق أكثر بكثير مما يتحه النظام الحاكم هناك.. ولكنهم يناضلون ضد كل هذه القسوة.. بمزيد من زرع الجمال وحب الحياة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة