انتظرت يوم.. تلاتة.. أربعة ومع ذلك لم يتحرك أحد وهو الأمر الذى أعتبره مغايرا تماما لكل توقعاتى، كنت أتخيل أن جامعات مصر ستشتعل بالمظاهرات، وأن مانشيتات الصحف ستغلى على الصفحات الأولى وهى تبحث عن من يحمى الإسلام، وكنت أتصور أن بيانات الإخوان المسلمين لن تنقطع وهى تطالب بعودة صلاح الدين لحماية المصحف الكريم، كما كنت أتصور أيضا أن شيوخ الأزهر الكرام سينتفضون كنوع من الغيرة على الأقل، وأن مشايخ السلف سيجعلون من برامجهم على الفضائيات منصة لإطلاق الصواريخ فى وجه من أهانوا كتاب الله، وبحثت عن تلك الفتوى التى تهدر دم رجل الأعمال الذى جعل المصاحف وكلمات الله المنقوشة على الجدران وعلى اللوحات تحت عجلات لوادر الهدم وأنقاض مسجد كان قبل ساعة من هدمه ساحة يلتقى فيها العبد مع ربه.. ولم أجد شيئا!
منذ أن سمعت بخبر قيام رجل الأعمال سمير حامد نصر حميدة بهدم مسجد "الدعوة" فى منطقة روض الفرج وبعد أن شاهدت تلك الصورة التى نشرتها اليوم السابع لكتاب الله وهو غارق فى تراب الهدد، ولأيادى الخير التى تمتد لتجمع صفحاته التى تطايرت أسفل أنقاض المسجد الذى لم يكن يشكو من أى عيوب إنشائية أو ترميميه.. بعد أن شاهدت كل هذا تخيلت أن مصر كلها ستقوم ولن تقعد، لمنظر المسجد المهدوم والمصاحف المبعثرة فى كل مكان بأمر رجل أعمال قرر أن يبنى محل المسجد برج عالٍ.. هكذا وبمنتهى البساطة أمر الرجل فنفذ البلطجية قراره عقب خروج الناس من صلاة العشاء.
طبعا لا داعى للكلام عن خوف هذا الرجل من ربنا، ولا داعى للبحث عن أين كان عقله وهو يفعل ذلك، لأن مافعله رجل الأعمال المصرى لا يفعله جيش الاحتلال الإسرائيلى إلا ماندر لأن الصهاينة فى تل أبيب يعلمون جيدا مدى قدسية أماكن العبادة بالنسبة للمسلمين وبالتالى هو أيضا ليس فى حاجة إلى أى تعريف.
الشىء الذى يحتاج إلى تفسير وتعريف فعلا هو هذا الهدوء القاتل تجاه ما حدث فى منطقة روض الفرج، هذا الهدوء الذى لا تفسير له سوى أن هؤلاء المشايخ الذين يغضبون فى فضائياتهم ويبكون لمجرد أن أجنبى وصف الإسلام بدين التطرف، لم تتحرك شعرة واحدة فى رؤوسهم وهم يشاهدون صفحات كتاب الله ممزقة تحت أنقاض بيت من بيوته، الغريب حقا أن تلك الجماهير الغاضبة التى خرجت فى مظاهرات لحرق سفارة الدانمارك بسبب رسام كاريكاتير مهووس لم يخرج منها أحد ليهدد رجل الأعمال أو على الأقل يدعو عليه، حتى الدولة التى عودتنا مؤخرا بركوب موجة التدين لم نسمع أنها قد بدأت التحقيق فى الأمر، على الأقل من أجل المسجد الباقى له 14سنة ويدخل فى حماية قانون الآثار بعد أن يحتفل بمرور 100 سنة على تأسيسه.
لم يتحرك أحد وكأن الديانة الرسمية للبلد قد أصبحت فجأة الهندوسية، لم يتحرك أحد وانكشفت الحقيقة.. حقيقة هؤلاء المزايدين باسم الإسلام سواء كانوا قادمين مع ريح التيار الوهابى، أو بعمة الأزهر، أو بزبيبة الصلاة، فالمسجد الذى تم تدميره والمصاحف التى تم تدنيسها جريمة بالنسبة لهم غير مكتملة الشروط، لأن الفاعل ليس مسيحيًّا، للحديث عن مؤامرة كنسية لإهانة الإسلام، وليس أجنبيا للحديث عن نظرية المؤامرة التى تهدف لهدم الإسلام.. الفاعل هذه المرة كان أحد هؤلاء الطماعين الذى اعتاد أن يدمر هنا ويهدم أثرا هناك ويدفع رشوة من تحت الترابيزة وإكرامية من فوقها من أجل بناء برج سكنى، دون أن يجد من رجال القانون والشرطة وقفة حاسمة، أو يسمع من رجال الدين كلمة حاسمة تحدثه عن الرشوة والفساد بدلا من الحجاب والنقاب.
ما حدث فى روض الفرج ليس مجرد صدفة، أو تصرف من رجل مخبول بقدر ما هو صورة واضحة لحقيقة المجتمع الذى نعيش فيه، مراية.. لابد أن نقف جميعا أمامها لنعرف حقيقتنا دون رتوش، فنعود لنرفع أيدينا للسماء لنطلب من رب السماء الرحمة والعفو وألا يؤاخذنا بما حدث فى روض الفرج لبيته وكتابه..لأن هذه فقط تكفى.. وأنتم تعرفون الباقى.. ادعوا ربنا يسامحنا!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة