ياسر أيوب

أختلف معك يا سيادة الرئيس

الأربعاء، 04 نوفمبر 2009 07:41 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى خطابه أمام أعضاء الحزب الوطنى بمناسبة المؤتمر العام للحزب، وقف الرئيس مبارك يؤكد أن الزيادة السكانية هى الخطر الحقيقى الأكبر والأول الذى تواجهه مصر، وأن تلك الزيادة هى التى تحول بيننا وبين أى تغيير أو إصلاح أو تنمية، وأنه لابد من اتخاذ كافة التدابير التى من شأنها الحد من هذه الزيادة وضبطها لتعود مصر من جديد قادرة على أن تحلم وتتغير.

وقبل أن أشرح لماذا أعارض الرئيس وأختلف معه، أود التوقف أولا أمام مجموعة من الأطباء تولوا علاج مريض منذ قرابة الثلاثين عاما، وطوال هذه السنين، لم يكف الأطباء عن الكلام ومتابعة العلاج وتقديم الدواء دون أن يلاحظ أى من هؤلاء الأطباء أن المريض أبدا لم يشف ولم تتحسن حالته، وهو ما يعنى أن هناك خطأ ما، سواء خطأ فى العلاج الذى يجرى تقديمه للمريض منذ ثلاثين عاما، أو خطأ فى التشخيص من الأصل وبالتالى لن تجدى كل علاجات العالم مع تشخيص خاطئ وغير حقيقى.

والمشكلة الوحيدة تبقى أن المريض لا يملك أى حقوق وليس باستطاعته تغيير الأطباء المعالجين أو الاعتراض على العلاج والدواء الذى يتعاطاه، وبهذا المنطق، لم يكن ممكنا أن يقف الرئيس مبارك منذ ثلاثة أيام فقط ويتحدث عن أوجاع ومخاطر وتهديدات الزيادة السكانية وكأنها وجع جديد وطارئ كأنفلونزا الطيور أو الخنازير، وذلك لتنتبه مصر إلى ما يقوله الرئيس وتخاف منه فتبدأ رحلة البحث عن علاج وشفاء من هذا الوجع، فكل ذلك ليس صحيحا على الإطلاق، ومصر كلها ومنذ ثلاثين عاما تتحدث وتعرف وتشكو من الزيادة السكانية، ولكنها للأسف الشديد وجدت أطباءها يقدمون لها علاجات تلخصت فى جهاز لتنظيم الأسرة، ثم حسنين ومحمدين اللذين هما زينة الشباب الاتنين، ثم مجلس قومى للسكان، ثم وزارة للسكان لا أحد يعرف لماذا لم تكن موجودة من قبل طالما أنها مهمة هكذا، والآن، وبعد أن ينتهى المؤتمر العام للحزب الوطنى، وعقب تلك الكتابات والدراسات العبقرية التى تنفرد بها كالعادة الصحف القومية والتى تتناول كل جملة قالها الرئيس لتحيلها إلى خطط ومشروعات وثورات فكرية وسياسية، ستعود مصر من جديد تتحدث عن الزيادة السكانية وستلجأ لنفس الأطباء القدامى ليقدموا لها نفس العلاج الذى تتعاطاه منذ ثلاثين عاما دون جدوى، ومن المؤكد أن مصر لم تمتلك طيلة الثلاثين عاما أى مشروع حقيقى للتنمية وللخروج من دائرة الموات التى نسكنها، وأرجوكم لا تنخدعوا وتتخيلوا مشروعات التنمية التى أقصدها وأنشدها، هى كوبرى هنا أو طريق دائرى هناك أو مزيد من التطوير لطريق مصر إسكندرية الصحراوى أو بناء بضعة أسواق تجارية جديدة فى الشيخ زايد أو القاهرة الجديدة، وإنما أقصد مشاريع حقيقية تخلق حياة جديدة وبالتأكيد خارج القاهرة.

فأنا دائما أرى مصر دولة تملك ميزتين نادرتين، أراضى فضاء لا أول لها ولا آخر، وأيادى عاملة رخيصة وقابلة لاكتساب الخبرة والمهارة، وكان ولا يزال من الممكن أن أنتفع بهاتين الميزتين وأعرضهما فى سوق الاقتصاد العالمى، داعيا بلدانا وشركات غريبة وبعيدة لتأتى وتشاركنى التنمية الحقيقية استنادا إلى الأرض التى أملكها مع الأيدى العاملة الرخيصة، ولم يحدث ذلك ولن يحدث أبدا لأن الإدارة الرسمية فى مصر لا تزال تتخيل أن الأراضى الفضاء عبء عليها ولا تزال تتخيل أن الوجوه الكثيرة فى مصر مجرد أفواه مفتوحة تريد الطعام بينما هى فى الحقيقة أياد وعقول ممكن أن تعمل وتربح وتمنحنى الكثير جدا من القوة والأمل، وهذا الأمل هو العلاج الحقيقى الذى تحتاجه.

فالذى يملك الأمل فى الغد والذى يرى مستقبلا يمكن انتظاره، هو وحده الذى يمكن أن تتحدث معه عن الأسرة السعيدة أو البيت الهادئ أو الغد الأفضل، أما الذين فقدوا الأمل فى كل شىء، والذين طالهم الإحباط واستوطن عقولهم وتحت جلودهم، فمن العبث أن تخاطبهم عن الأسرة السعيدة وهم لا يعرفون أصلا ما هى الأسرة ولا ما هى السعادة، ومن السفه أن تطلب منهم أن يعاونوك للتصدى لأزمة ومواجع بلد هم فى قرارة أنفسهم يدركون أنه لم يعد بلدهم ولم يعد لهم فيه أى مكان أو دور أو حقوق، وبدون عودة الأمل، وبدون عودة مصر لكل المصريين، فأى حديث عن المستقبل باطل وناقص وخاطئ وساذج، وأى حلول لمواجهة أى مشكلة أو أزمة ستصبح أقرب لقرار ساذج لأطباء فاشلين بمواجهة السرطان بأقراص أسبرين، واستعادة هذا الأمل، الآن، هى الأهم والأجدى والأبقى والأصلح من أى مؤتمرات أو خطابات.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة